منذ أن وطئت أقدام القيادي المفصول من حركة "فتح" الفلسطينية محمد دحلان، العدو اللدود للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أرض الإمارات، بدأت الخلافات السياسية تظهر بين البلدين بشكل كبير، حتى وصلت إلى المجاهرة في الهجوم بين مسؤوليها.
وتطورت الخلافات السياسية بين السلطة والإمارات بعد إعلان الأخيرة توصلها إلى اتفاق تطبيعي كامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، برعاية أمريكية، وهو ما جعل الرئاسة الفلسطينية تصفه بـ"الخيانة والطعنة في ظهر القضية والشعب الفلسطيني".
ويعد موقف السلطة الفلسطينية هو الأكثر قوة من بين مواقف أي مكون فلسطيني آخر، إضافة إلى إقدامها على سحب السفير الفلسطيني من الإمارات، وتأكيد عدم عودته مرة أخرى إليها.
وأمام تلك التحركات الفلسطينية التي تظهر سوء العلاقة مع الإمارات، ظهر موقف آخر ومغاير لتلك الإجراءات، هو وجود نية لدى عباس لإعادة الدفء للعلاقات الفلسطينية الإماراتية، وفقاً لمكالمة مسجلة مسربة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حليف أبوظبي.
وتظهر المكالمة، التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، في 22 أغسطس 2020، طلب عباس من السيسي التوسط لحل الخلافات مع الإمارات، مع تأكيده بأنه مستعدة لزيارتها بعد انتهاء جائحة فيروس كورونا المستجد، ولقاء ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.
حركة "فتح" التي يقودها عباس سارعت إلى نشر توضيح رسمي حول المكالمة المسربة بين الرئيس الفلسطيني والسيسي، على لسان مسؤول الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم، منير الجاغوب، وتأكيدها أن المقابلة مجتزأة، وقديمة، وتمت خلال أزمة طائرة المساعدات الإماراتية.
الجاغوب قال: إن "جزءاً كبيراً من التسجيل الذي ادعى الإعلام الإسرائيلي تسريبه، عبارة عن حديث عن منع الهجوم على أبوظبي؛ بسبب الطائرة الإماراتية، التي حطت في مطار بن غوريون الإسرائيلي وعلى متنها مساعدات طبية موجهة للفلسطينيين، والتي رفضت السلطة الفلسطينية استقبالها".
مسؤول الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم، منير الجاغوب، يؤكد أن العلاقات الرسمية الفلسطينية الإماراتية تشهد حالة قطيعة بعد اتفاق التطبيع مع دولة الاحتلال، ولكن لم تغلَق كل الأبواب في وجه الدول العربية.
وبدأت الخلافات بين السلطة والإمارات، وفق حديث الجاغوب لـ"الخليج أونلاين"، منذ عام 2013، كما أن السفير الفلسطيني في أبوظبي كان مكبلاً بسبب استضافة دحلان فيها، وهو ما كان أحد الأسباب في الخلاف الفلسطيني مع الإمارات.
وحول إمكانية إعادة العلاقات بين الإمارات والسلطة، يقول الجاغوب: "الشعب الفلسطيني لديه قاعدة هو امتداده العربي، ومهما اختلف معهم فلا بد أن يكون هناك حلقة وصلة تجمعهم بهم، ومن ثم الشعب الفلسطيني دائماً يؤمن بالعمق العربي".
وعن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، اعتبر الجاغوب ذلك تجاوزاً للقمة العربية ومبادرة السلام العربية التي نصت على تطبيع العلاقات مع الاحتلال بعد إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
صدمة وعودة
رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت، نشأت الأقطش، يؤكد أن التصعيد الفلسطيني ضد الإمارات أخذ منحنى عالياً بسبب الصدمة الفلسطينية من اتفاق التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمخالف للأسس التي وضعتها الجامعة العربية في الاتفاق مع الاحتلال.
ووفق حديث "الأقطش" لـ"الخليج أونلاين" فلن تطول الأزمة بين السلطة والإمارات، حيث ستعود من جديد، لكون السلطة في حالة ضعف، واحتياجها للأنظمة العربية مهم، لذا ليس من الممكن أن تتوتر الأمور بينهما أكثر من ذلك.
وبعد اتفاق التطبيع الإماراتي مع الاحتلال، يقول الأقطش: إن "الأمور لم تصل بين السلطة والإمارات إلى حد الحرب، والمصالح المشتركة بينهما ستسهم في إعادة العلاقات، حيث يوجد في الإمارات أكثر من 100 ألف فلسطيني يعملون فيها".
وحول مقاطعة السلطة للإمارات بعد الاتفاق، يوضح رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت أن مصر حين وقعت اتفاق سلام مع "إسرائيل" قاطعتها جميع الأنظمة العربية، حيث إن التطبيع مع الاحتلال في هذا التوقيت له دلالات مخيفة، تظهر استقواء "إسرائيل" على السلطة.
بداية التوتر
مرت العلاقات الإماراتية الفلسطينية الرسمية بحالة من التوتر؛ ظهرت بشكل علني منذ أن دعا أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، العرب للانفتاح على "إسرائيل" في أبريل 2019.
وفي حينها رد نبيل أبو ردينة، وزير الإعلام والناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، في إجابة عن سؤال لقناة تلفزيونية فرنسية، مستنكراً كلام قرقاش قائلاً: "لم أسمع بقرقاش قبل الآن".
كذلك سبق أن هاجم مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والدولية، نبيل شعث، الإمارات حين أعلنت "إسرائيل" مشاركتها في معرض "إكسبو الدولي 2020"، المقررة إقامته في مدينة دبي، واعتبر ذلك تطبيعاً ويشكّل "خطأ فادحاً" في حق القضية الفلسطينية، والموقفين العربي والإسلامي.
وأوقفت الإمارات، منذ سنوات، كل مساعداتها المقدمة للسلطة، بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً للسلطة بقيمة ملياري دولار سنوياً، وفي المقابل تدعم النائب المفصول من حركة "فتح" وعدو عباس اللدود، محمد دحلان، الذي يعمل مستشاراً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
كذلك سبق أن لمح رئيس السلطة الفلسطينية إلى وجود دور إماراتي في تنفيذ صفقة القرن الأمريكية خلال خطابه في مجلس الأمن الدولي، في فبراير الماضي، وقال فيه: "نقول لمن يتهموننا بإضاعة فرص السلام لا تطلقوا شعارات غبية".
وجاءت عبارة محمود عباس بعد اتهامات وجهها له السفير الإماراتي في أمريكا، يوسف العتيبة، الذي كان حاضراً إعلان الخطة الأمريكية، 28 يناير الماضي، وسبق له أن قال إن "الفلسطينيين يضيعون فرصة السلام".
كذلك تقاطع السلطة الفلسطينية اللجنة الوطنية للتكافل الاجتماعي، وهي هيئة فلسطينية تتلقى دعمها بالكامل من دولة الإمارات، وتضم ممثلين عن كافة القوى الفلسطينية، باستثناء فتح التي يتزعمها عباس؛ لأن هذه اللجنة يشرف على عملها وتنسيقها دحلان، وهو ما يزيد من حدة الخلاف بين أبوظبي والسلطة.
وإلى جانب تصريحات السلطة الهجومية ضد الإمارات عملت وسائل إعلامية قريبة من السلطة على مهاجمة الإمارات واتهامها بقيادة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن أشكال التوتر بين السلطة والإمارات ما كشفته مصادر مسؤولة في حركة "فتح" بالضفة الغربية المحتلة سابقاً لـ"الخليج أونلاين" بأن "الإمارات أعادت اللعب بدورها القديم في الساحة الفلسطينية الداخلية من جديد، وتحاول جاهدة من خلال نفوذها وابتزازها المالي أن يكون لها دور في الساحة الداخلية لحساب قيادات فلسطينية معروفة ومقربة منها".
كذلك، رفضت السلطة الفلسطينية استلام طائرة مساعدات إماراتية في يونيو الماضي، أرسلتها أبو ظبي عبر مطار "بن غوريون" وهو ما شكل أزمة دبلوماسية صامتة بين الطرفين.