لطالما زعم الاحتلال الإسرائيلي أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار كان يختبئ في الأنفاق، يحيط به عدد من الأسرى الإسرائيليين، لتدحض هذه الرواية رواية أخرى أشارت إلى مقتله خلال اشتباكات في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
فلم ينجح الاحتلال الإسرائيلي في الوصول إلى يحيى السنوار عبر معلومات استخباراتية، ليعلن أنه قتل ثلاثة مسلحين من كتائب القسام، ويتبين بعدها بمحض الصدفة أن أحد الشهداء هو السنوار بحسب الاعلام الصهيوني.
فيما أظهرت الصور التي تداولها الإعلام الإسرائيلي أن يحيى السنوار كان يرتدي جعبة عسكرية خلال استشهاده.
ويرى مراقبون أن الصور التي سربها الجنود الإسرائيليون لجثة السنوار فضحت سردية تل أبيب بأن زعيم حماس يختبئ تحت الأرض.
وفي الوقت الذي لم تؤكد حركة حماس استشهاده، أكد جيش الاحتلال في بيان رسمي تصفية يحيى السنوار.
وكان الجيش الإسرائيلي و"الشاباك، قالا في بيان مشترك، إنه يتم فحص احتمال أن يكونا قد تمكنا من القضاء على يحيى السنوار، فيما وصفه بـ"نشاط للجيش" في غزة.
البيان ذكر أنه تم العثور على جثث 3 ممن وصفهم بالمخربين، وإنه يفحص إن كان يحيى السنوار أحدهم، وأكد أنه لا يوجد بعد تأكيد نهائي لهوية الثلاثة، فيما أفاد أنه لم تكن هناك مؤشرات أن المبنى فيه محتجزون إسرائيليون.
ونقل الإعلام الإسرائيلي عن شرطة الاحتلال أن عينات الحمض النووي المأخوذة من الجثة وصلت إلى معهد الطب الشرعي، وبناءً على ذلك فإنها بحاجة إلى 2 إلى 4 ساعات للحصول على النتائج النهائية.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي لم يكن يعلم بأن السنوار كان موجوداً في المبنى الذي كانوا يعملون فيه.
وبعد قصف المبنى وانهياره بشكل جزئي، دخل عدد من الجنود إليه، وأدركوا أن أحد القتلى يشبه إلى حد كبير يحيى السنوار.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر إسرائيلية، أن القوات التي قتلت السنوار قوة مشاة وليست خاصة.
فيما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية، إلى أن السنوار قتل أمس الأربعاء، ولم تكتشف جثته إلا بعد تمشيط المنطقة امس الخميس.
مصادر في حركة حماس، قالت إن القائد يحيى السنوار خلال عام كامل من الحرب على غزة لم يكن مختبئاً في الأنفاق، وأنه شارك في الاشتباكات مع جيش الاحتلال خلال اجتياح خانيونس الذي استمر نحو 3 أشهر في بداية العام الجاري.
المصادر ذاتها أكدت أن السنوار شارك في عمليات تفجير لآليات الاحتلال، وأنه اختار أن يظل مشتبكاً حتى استشهاده في المعركة التي تتواصل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويحيى السنوار هو قائد حركة حماس في غزة منذ العام 2017، وعرف على نطاق واسع بأنه مهندس هجوم "طوفان الأقصى"، والذي أسفر عن مقتل المئات من الإسرائيليين، وأسر آخرين، ليصبح التخلص منه أهم الأهداف الاستراتيجية للحرب على غزة.
وعقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو/تموز 2024، أعلنت حركة حماس تكليف السنوار بقيادة الحركة.
ولم يظهر يحيى السنوار علناً خلال عام الحرب، فيما ذكرت صحيفة "هآرتس" أنه التقى ببعض الأسرى الإسرائيليين خلال فترة احتجازهم في غزة، وتحدث معهم باللغة العبرية مطمئناً إياهم.
وعجز الاحتلال الإسرائيلي عن الوصول استخباراتيًا إلى السنوار، وتداولت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية عرضتا إخراجه من قطاع غزة ضمن صفقة لوقف إطلاق النار.
من هو يحيى السنوار؟
وُلِدَ يحيى إبراهيم حسن السنوار عام 1962 في مخيم خانيونس للاجئين الفلسطينيين جنوبي غزة.
تعود أصول عائلة السنوار إلى مدينة المجدل، الواقعة جنوب فلسطين المحتلة، حيث هُجِّروا منها قسراً عام 1948.
انضم السنوار منذ صغره لجماعة الإخوان المسلمين، ودرس في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث حصل منها على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.
وخلال دراسته الجامعية، ترأس "الكتلة الإسلامية"، الذراع الطلابي لجماعة الإخوان.
في عام 1985، أسَّس السنوار الجهاز الأمني لجماعة الإخوان المسلمين، الذي عُرِفَ باسم "المجد" آنذاك.
وكان عمل الجهاز يتركز على مقاومة "الاحتلال الإسرائيلي" في غزة، ومكافحة المتعاونين معه من الفلسطينيين.
ساعده النشاط الطلابي على اكتساب خبرة وحنكة أهلته لتولي أدوار قيادية في "حماس" بعد تأسيسها عام 1987.
في عام 1982، اُعْتُقِلَ السنوار لأول مرة، ثم أُفْرِجَ عنه بعد عدة أيام، ليعاود اعتقاله مجدداً في العام ذاته، وحينها حُكِمَ عليه بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة "المشاركة في نشاطات أمنية ضد إسرائيل".
وفي 20 يناير/ كانون الثاني 1988، اعتقلت إسرائيل السنوار وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة، أربع مرات، بالإضافة إلى ثلاثين عاماً، بعد أن وجَّهت له تهمة "تأسيس جهاز (المجد) الأمني، والمشاركة بتأسيس الجهاز العسكري الأول للحركة، المعروف باسم (المجاهدون الفلسطينيون)".
قضى السنوار 23 عاماً متواصلة داخل السجون الإسرائيلية، وخلال فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
حاول الهروب من سجنه مرتين، الأولى حين كان معتقلاً في سجن المجدل بعسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.
تعرض لمشاكل صحية خلال فترة اعتقاله، إذ عانى من صداع دائم وارتفاع حاد في درجة الحرارة، وبعد ضغط كبير من الأسرى أجريت له فحوصات طبية أظهرت وجود نقطة دم متجمدة في دماغه، وأجريت له عملية جراحية على الدماغ استغرقت 7 ساعات.
أُطْلِقَ سراحه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين "حماس" والاحتلال الإسرائيلي عام 2011، التي عُرِفَت باسم "صفقة شاليط"، وعقب خروجه من السجن شارك السنوار في الانتخابات الداخلية لحركة حماس عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة، وتولى مسؤولية الإشراف على الجهاز العسكري "كتائب القسام"، وقيادة الحركة في القطاع منذ 2017.
وفي سبتمبر/ أيلول عام 2015، أدرجت الولايات المتحدة السنوار في لائحة "الإرهابيين الدوليين".
ووضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية السنوار على قائمة المطلوبين للتصفية في غزة، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.
حاول في فترة قيادته للحركة في غزة، إصلاح العلاقات بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وإنهاء حالة الانقسام السياسي، إلا أن هذه المحاولات انتهت بالفشل. كما عمل أيضاً على تحسين العلاقات مع مصر.
تعرض منزله للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية إسرائيلية في مايو/أيار 2021.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم السنوار.
وأصدرت السلطات الفرنسية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مرسوماً يقضي بتجميد أصول السنوار لمدة ستة أشهر.