حدثني عن الحرب أحدثك عن السلام ، حدثني عن الجاهلية أحدثك عن الإسلام ، وحدثني عن العرب أحدثك عن الخلاف والقتل وفساد ذات البين ..
أحدثك عن كرههم لبعض ، وحبهم للغريب ، وبغضهم للصاحب ،، عن كرههم للحرية وحبهم للعبودية ..
ولعل عرب الأمس أفضل حالا من عرب اليوم إذ أن عرب الأمس قالوا " أندخل بيت محمد فتقول العرب أننا فزعنا بنات محمد " بينما عرب اليوم لا يراعون الحرمات ، ولا يفرقون بين الذكور والاناث ، يهدون البيوت بساكنيها ، ويدخلون المنازل عنوة فوق الاطفال والنساء وتحت تهديد السلاح ...
كان عرب الأمس لديهم نخوة وحمية ينصرون المظلوم ولا يخذلونه وما حلف الفضول عنا بمجهول فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم فيه : "لو دعيت إلى مثله في الاسلام لأجبت"..
أما عرب اليوم فيختلفون جذريا عما كانوا عليه في الأمس ، فعندما يدعون اليوم إلى نصرة مظلوم يخذلونه ، ويقصمون ظهره ، ويؤلمونه أكثر مما يفعل العدو نفسه ...
يكون النصر عندهم هزيمة ، والفرج شدة ، واليسر عسر ؛ لأن المستنجد بهم لا يجني سوى التآمر ، ولا يحصد سوى التخاذل ، وإطالة أمد الظلم وتفشيه ، فيكون حال المستجير بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
عرب اليوم قلوبهم معك وأفعالهم ضدك، ينطقون بالإسلام ويدعون للجاهلية ، المعول عليهم خائب ، والمستجير بهم خاسر ، من ركن عليهم خذل ، ومن خالفهم قتل ، يبررون عمليات القتل بالانتصار لدين الله بينما الدين من أفعالهم براء.
عرب اليوم لا أنهم تمثلوا أخلاق الإسلام ولا مروءة الجاهلية ، أخذوا من الجاهلية كل شؤم ووظفوا الدين فيما يتنافى مع أفعالهم وسلوكياتهم فهم يفعلون ما يشاؤون لا كما يشاء الإله.
فحينما يتطلب الموقف إقدام يحجمون، وإذا ما تطلب حكمة وروية يهرولون .. الحكام يستأسدون على شعوبهم وأبناء الوطن الواحد بأسهم بينهم شديد، فالكبير يبطش بالصغير ، والقوي يأكل الضعيف ، الدولة الثرية تسخر مالها في سبيل التنكيل بالخصوم وفتح السجون واعتقال المعارضين ، وحدث لا حرج عما خفي أعظم.
عرب الأمس عندما أراد ملك الفرس أن يأخذ ابنت النعمان بن المنذر لما اشتهرت به من الحسن والجمال وكان عادت العرب أن لا يزوجوا غير العرب ، أرسل ملك الفرس الرسل وهدد النعمان إن لم يعطه ابنته ليأتينه بجيشه يأخذها عنوة فدفعته أنفته وعزته الى أن يدفع ضريبة امتناعه عن تقديم ابنته لغير عربي - ولو كان ملكا - فكانت الضريبة أن ضحى الملك النعمان بنفسه من أجل الحفاظ على ابنته واستوصى أحدهم بها ، فعندما أقدم ملك الفرس بغرور وبعد محاولات للحصول على جميلة العرب ما كان من عرب الأمس إلا أن التفوا جميعا وخندقوا في خندق واحد لصد المجون الفارسي ولقنوا الفرس درسا لن ينسوه وخرجوا من المعركة منتصرين بعد أن قتل أبناء ملك فارس وجرح امبراطورهم..
كان ذلك الانتصار نتيجة اتحادهم ، فكيف لو اتحدوا اليوم وفق منهاج الشريعة حينها لا قوة تقف أمام إصرارهم وعزيمتهم وكم كان صادقا ملك الصين حينما قال بصوت الحقيقة - عندما استنجد به أحد الملوك - لا قدرة لي في الوقوف أمام قوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها..
واقعنا اليوم مؤلم والمتأمل بأحوالنا يستغرب إذ كيف كنا بالأمس أقوياء باتحادنا وكيف أصبحنا اليوم في تشرذم وغثائية وضعف بتفرقنا؟!..
لذلك الفرق واسع والبون واسع وكلما حاولت أن أقارب زاد التباعد ووجدت أن لا سبيل للتوصل إلى نقطة التقاء بين الماضي المشرق والحاضر المظلم .. لكن لا يأس مع هذا السواد القاتم،، ودائما ما أبدي التفاؤل حين يسقط الغالبية في اليأس مرددا شعار #القادم_أجمل فاستبشروا خيرا.