عام كامل مر على توقيع رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، قرار الاعتراف بالقدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل"، ثم جاء بعده عدد من القرارات التاريخية المؤيدة لدولة الاحتلال، في حين تقف السلطة الفلسطينية عاجزة أمام التغول الأمريكي الإسرائيلي على قضية العرب الأولى.
ورداً على الخطوات الأمريكية غير المسبوقة تجاه القضية الفلسطينية، والسلطة نفسها، من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، اكتفى الرئيس محمود عباس بإعلانه وقف العلاقات مع الولايات المتحدة، في حين تؤكد فصائل فلسطينية، في حديث نقله موقع"الخليج أونلاين"، أن المحادثات الرسمية بين السلطة والولايات المتحدة لم تتوقف.
وعلى الصعيد الداخلي، لم توقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو تبادل الزيارات بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو الاتفاقيات الاقتصادية معها، رغم القرارات الأمريكية الصادمة الخاصة بالقضية الفلسطينية.
ولم يكن قطع ترامب دعم بلاده عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، علاوة على اعتراف واشنطن بـ"السيادة الإسرائيلية" على هضبة الجولان السورية المحتلة، كافياً لتتخذ السلطة قرارات جريئة ضد الولايات المتحدة.
وأعلن ترامب، في 6 ديسمبر 2017 ، اعتراف بلاده رسمياً بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لـ"إسرائيل"، ثم ألحقه بقرار نقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى المدينة المحتلة.
الدعم المالي
حركة "حماس"، وعلى لسان القيادي فيها فتحي القرعاوي، وصفت السلطة الفلسطينية في علاقاتها مع الولايات المتحدة بـ"السمك الذي يموت حين يخرج من الماء"، بمعنى أنها لا تستطيع التخلي عنها نهائياً.
ويقول القرعاوي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "السلطة تربط وترهن الحالة الفلسطينية بالحالة الأمريكية، ولا تتخلى عنها، لكونها تقدم لها دعماً مالياً".
ويستبعد القرعاوي أن تكون السلطة الفلسطينية أوقفت العلاقات مع الولايات المتحدة رداً على قراراتها ضد الشعب الفلسطيني، معتبراً أن القرارات التي اتخذها عباس حول ذلك "لم تساوِ الحبر الذي كتبت فيه".
ويتوقع القيادي في حركة "حماس" أن توافق قيادة السلطة على العودة إلى المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في حال وردها عرض من الولايات المتحدة، رغم القرارات التي اتخذتها ضد القضية الفلسطينية.
وكانت السلطة الفلسطينية أعلنت، عقب إعلان ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ"إسرائيل"، وقف العلاقات مع الولايات المتحدة، ورفض زيارة أو استقبال أي مسؤول أمريكي، أو المشاركة في المؤتمرات التي ترعاها الولايات المتحدة.
حالة من الوهم
"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تؤكد أن السلطة وقيادتها ما زالت تعيش حالة من الوهم بإمكانية استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وما زالت في السياق نفسه لم تقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وتقول الجبهة الديمقراطية، في بيان لها: "لا تزال السلطة تقيم مع وكالة المخابرات الأمريكية خطاً للاتصالات، بعيداً عن رقابة المؤسسات الوطنية، بذريعة مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تغلق فيه الولايات المتحدة مفوضية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بذريعة أنها منظمة إرهابية".
وتضيف الجبهة: "رغم مرور عامين على القرار الأمريكي المشؤوم ما زالت السلطة الفلسطينية وقيادتها تمعن في تعطيل قرارات المجلس الوطني في الدورة الـ 23 والمجلس المركزي (الدورتان 27 + 28) لإعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل، وما زالت أسيرة الرهانات والأوهام الهابطة والفاسدة، بذريعة التمسك بالمفاوضات السلمية خياراً سياسياً وحيداً".
واستطردت أن ذلك يحصل في الوقت الذي تتقدم فيه صفقة ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خطوات حثيثة إلى الأمام في ابتلاع الأرض وبناء الوقائع الميدانية لقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية، ومواصلة الحرب على وكالة الغوث والحقوق المشروعة للاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
وطالبت السلطة بـ"مغادرة مربع الوهم والرهانات الفاشلة نحو سياسة عملية ميدانية، لمواجهة سياسات "إسرائيل" وأمريكا، مدخلها الخروج من أوسلو والتحرر من قيوده واستحقاقاته، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي عبر الانفكاك عن بروتوكول باريس الاقتصادي".
وحول القرارات العربية من الموقف الأمريكي ضد القدس، تؤكد الجبهة أنها لاحظت أن قرارات القمم العربية والمسلمة التي جاءت رداً على القرار الأمريكي "ما زالت في معظمها حبراً على ورق ولم تجد طريقها إلى التنفيذ، لتشكل الضغط المطلوب على الولايات المتحدة".
عن تطبيع بعض الدول العربية مع الاحتلال اعتبرت الجبهة الديمقراطية أنه مخالف لقرارات جامعة الدول العربية وقممها، ولقرارات منظمة دول التعاون الإسلامي، ويأتي على حساب المصالح القومية والوطنية للشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية.
ضعف رسمي
أستاذ العلوم السياسية في "جامعة النجاح" الفلسطينية في نابلس، عبد الستار قاسم، يؤكد أن السلطة لم تقاطع الولايات المتحدة بعد قراراتها ضد القضية الفلسطينية، أو دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتعمل على الاستمرار والالتزام باتفاقية أوسلو التي وقعت في التسعينيات برعاية أمريكية.
ويقول قاسم في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "التنسيق الأمني مستمر بين السلطة وإسرائيل، وكذلك الاجتماعات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم القرارات الأمريكية لمصلحة دولة الاحتلال".
ويرى قاسم أن الموقف الأمريكي شهد تطوراً غير مسبوق تجاه القضية الفلسطينية، في حين أن الموقف الرسمي للسلطة لم يكن بحجم تلك الخطوات، ولم يكن هناك أي ردود فعل ميدانية أو سياسية قوية ضدها.
ويردف بالقول: "عباس يرى مستقبله مرتبطاً بإسرائيل والولايات المتحدة، ونظريته القديمة هي أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يحصل على بعض من الأمان إذا بقي فقيراً وغير قادر عسكرياً، ومخترقاً أمنياً، ومن محبي السلام، مقابل تخفيف البطش الإسرائيلي".
ويتابع بالقول لـ"الخليج أونلاين": "كلما ضربته الولايات المتحدة (الرئيس عباس) يزداد خنوعاً وتقرباً وإصراراً على الضعف، وهي مشكلة خطيرة؛ لكونه مؤمناً بفلسفة الضعف، بمعنى أنه كلما كنت ضعيفاً تحصل على شفقة الآخرين".
وحول أوراق القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني لمواجهة القرارات الأمريكية المستمرة، يشدد أستاذ العلوم السياسية على أن المقاومة أبرز الوسائل القوية التي يمتلكها الفلسطينيون.