"هل توجد لإسرائيل خريطة رسمية لحدودها الجغرافية؟"، سؤال طالما هربت دولة الاحتلال ومسؤولوها السياسيون، منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، من الإجابة عنه، ويواصلون طوال 71 عاماً المراوغة؛ لكون حلمهم أكبر من الواقع بكثير.
بحسب آباء الصهيونية وكذلك آباء اليهود المتطرفين، فإن الحدود المتخيلة لـ"إسرائيل" ليست ضمن نطاق فلسطين التاريخية فقط، وإنما تتجاوز ذلك، فالعلم الإسرائيلي يميزه من الأعلى والأسفل خطان أزرقان متوازيان يشيران إلى أن حلم الدولة الكبرى ممتد بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق.
على الورق يبدو هذا الحلم صعب المنال، على الأقل في الوقت الراهن، وعلى أرض الواقع يختلف الأمر كثيراً، فهناك مخططات تجري دون هوادة لالتهام الأراضي العربية وضمها للسيادة الإسرائيلية، بعد أن أكلت سابقاً الأراضي الفلسطينية وبعضاً من الأراضي السورية، ولا تزال عين الاحتلال ترنو بعيداً إلى أراضٍ مصرية وأردنية ولبنانية وحتى عراقية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعا خلال كلمة له، يوم 10 سبتمبر 2019، إلى ضرورة التوصل إلى حدود ثابتة لدولة الاحتلال؛ لضمان "عدم تحول الضفة الغربية إلى منطقة مثل قطاع غزة".
وأضاف: "هذه فرصة ثمينة لنا، ولأول مرة تأتي، ولن تكون لنا حتى 50 سنة مقبلة، أعطوني القوة لأعزز إسرائيل وأمنها، أعطوني القوة من أجل تحديد إسرائيل"، مؤكداً أن هذه الخطوة ستكون "مباشرة بعد الانتخابات"، لتأكيد ثقة الجمهور به في حال انتخابه.
كما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن "مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت وهضبة الجولان هي الحزام الأمني الهام لتل أبيب في الشرق الأوسط".
حدود حلم "إسرائيل" الكبير
خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة، وخبير شؤون الاستيطان، يقول: إن "دولة الاحتلال حتى هذه اللحظة ترفض وبشكل قاطع ترسيم حدودها وأن تضع أي خريطة واضحة ورسمية لموقعها الجغرافي مع الدول المجاورة ولها؛ لأن ذلك يتنافى مع حلمها الكبير".
ويضيف: "العقلية الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة، عام 1948، مبنية في الأساس على السرقة والعربدة والاستيطان، وتحاول من خلال التزوير والتضييق والحصار اللعب على ملف الخريطة الجغرافية الممتدة، وأخذ ما يمكن أخذه بقانون القوة والكذب".
ويشير التفكجي إلى أن معدلات الاستيطان الممتدة داخل الأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص شهدت طفرة غير مسبوقة، ووصلت إلى ما نسبته 1000%، وشملت القدس والضفة الغربية المحتلتين، وأن أعداد المستوطنين في البقع الاستيطانية التي تُصادر وتُسرق من الفلسطينيين بالضفة والقدس قد تضاعفت مئات المرات، ووصلت إلى أكثر من مليون مستوطن خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب مدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية فإن دولة الاحتلال تلجأ إلى "خطط خبيثة"؛ بإقامة مستوطنات صغيرة بالقرب من المستوطنات الكبيرة، وتدعي فيما بعد أنها تابعة لها، معتبراً ذلك تحايلاً وسرقة والتفافاً على القرارات الدولية التي تندد بالاستيطان وترفضه.
ويتابع حديثه: "لم يبقَ من القدس شيء، والدور الآن قادم على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية المقسمة لفئاتها الثلاث "أ" و"ب" و"ج"، وخلال عام واحد فقط، سيسيطر المخطط الإسرائيلي الكبير على ما تبقى من الضفة ويضمها لسيادة الاحتلال".
ووفق اتفاقية أوسلو الثانية 1995، قُسِّمت الضفة الغربية إلى 3 مناطق؛ "أ" و"ب" و"ج"، وتمثل المنطقة "أ" 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، ويستبيحها يومياً الاحتلال، أما المنطقة "ب" فتمثل 21% من مساحة الضفة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، وأخيراً فإن المنطقة "ج"، التي تمثل 61% من مساحة الضفة، تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
ويضيف التفكجي: "بعد أن تؤكل الضفة والقدس والداخل المحتل فعين إسرائيل ستتجه مباشرة إلى الدول العربية المجاورة، وهذا ما رأيناه فعلياً بعد توقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على قرار اعترافه بسيادة دولة الاحتلال على هضبة الجولان، وسيكون بعدها كامل مزارع شبعا ومحيطها، وكذلك سيناء المصرية، ومناطق حساسة من حدود الأردن"، وهو ما تدعمه "صفقة القرن" التي يجري الترتيب لها.
ويلفت إلى أن الوقائع الموجودة على الأرض، ومساندة أمريكا لدولة الاحتلال، تؤكد أنها ماضية في حلمها الكبير "من نهر النيل حتى الفرات"، موضحاً أن "إسرائيل تريد أن تنهي سيطرتها أولاً على الضفة والقدس، ومن ثم تكشر عن أنيابها على ما تبقى من دول عربية لالتهامها خلال سنوات قليلة، وما كان مستحيلاً سيصبح واقعاً، وهذا الأمر هو الذي يدفع إسرائيل ومسؤوليها لعدم الحديث أو وضع خريطة واضحة لحدود دولتهم المزعومة".
و"إسرائيل" هي الوحيدة في العالم التي تتغير مساحة حدودها حسب التطورات العسكرية أو الدبلوماسية، ووفقاً لتفسيرات الخط الأخضر؛ تحدها لبنان في الشمال، ومرتفعات الجولان وسوريا في الشمال الشرقي، والضفة الغربية والأردن في الشرق، وقطاع غزة ومصر في الجنوب الغربي، لكن بعد قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بأن الجولان المحتل تحت السيادة الإسرائيلية فهذه الحدود ستتغير مجدداً وتمتد في العمق العربي.
وبعد اعترافه بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، في ديسمبر 2017، وقع ترامب، الاثنين (25 مارس)، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على قرار اعتراف واشنطن رسمياً بسيادة "تل أبيب" على مرتفعات الجولان التي احتُلت عام 1967.
يد الاستيطان الطويلة
مسؤول ملف الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة، غسان دغلس، يؤكد أن "إسرائيل" لن تضع لها أي خريطة واضحة المعالم والحدود في الوقت الراهن، وهي تسابق الزمن وتلقى الدعم الأمريكي اللازم من أجل السيطرة على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية والعربية بحجة أمنها.
ويوضح في تصريحات صحفية أن يد الاستيطان الإسرائيلية باتت طويلة، وقد اخترقت الحدود الجغرافية لفلسطين المحتلة، وتمتد لمناطق عربية مجاورة أخرى كالجولان ومزارع شبعا، ومن بعدها ستصل إلى سيناء وغور الأردن وحتى حدود لبنان والعراق.
"وضع خريطة جغرافية محددة واضحة الحدود لدولة الاحتلال يعني أنها ستكون أمام العالم أجمع ملتزمة بحدودها وعدم التمدد جغرافياً على حساب جيرانها من الدول العربية الأخرى، وهذا الأمر يخالف حلمها الكبير الذي تمتد حدوده العقائدية من نهر النيل حتى الفرات"، يضيف دغلس.
ويشير إلى أن الأمر بالنسبة إلى الاحتلال هو مخطط لـ"إسرائيل الكبرى" الذي يجتاز كل الحدود الجغرافية، وطمع في السيطرة على الأراضي العربية، لافتاً إلى أن كل المؤشرات على أرض الواقع تؤكد أن هذا الحلم "قد يرى النور قريباً في ظل الوضع العربي المتردي والخلافات التي تعشش داخله، والدعم الأمريكي اللا متناهي لمشاريع دولة الاحتلال في المنطقة".
ويلفت إلى أن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، والسيادة على الجولان، ومن بعدها سيناء المصرية، وستليها مناطق حدودية مع الأردن، ومن ثم تلحقها مناطق بلبنان والعراق، جميعها مشاريع استيطانية خطيرة موضوعة على الطاولة، وهي التي ستحدد خريطة دولة الاحتلال النهائية التي تحلم بها.
وفي ذات السياق يقول الخبير في القانون الدولي، حنا عيسى: إن "إسرائيل تفكر بإسرائيل الكبرى، ولهذا السبب هي تمتد على مساحة في مناطق عديدة حالياً: مزارع شبعا والجولان والضفة الغربية، ولا نعرف مستقبلاً إلى أين ستصل".
ويضيف: "امتدادها يتم من خلال الاستيطان الذي ينتشر في كل المناطق المحتلة، فضلاً عن أن الوضع القانوني غير مفعل؛ لأنه لم يصدر قرار واحد يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة باستخدام القوة في حال رفضت إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن".
وبسؤال عن كيفية إيقاف التوغل الإسرائيلي في الأراضي العربية أجاب: "العرب ضعفاء، ويتسابقون في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل"، والقوة هي التي توقف الاستيطان، وقرارات الشرعية الدولية مثل بيانات العرب، لهذا السبب الوحدة والموقف العربي المشترك هو الأهم في إيقاف إسرائيل وأمريكا عند حدهما، وخلاف ذلك مضيعة للوقت".
الجدير ذكره أن ملف الاستيطان أحد أبرز ملفات الخلاف بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، في ظل توقف مفاوضات السلام بينهما منذ نهاية مارس من عام 2014، بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية لم تفضِ إلى أي اتفاق، في حين ارتفعت وتيرة الاستيطان إلى أرقام جنونية، خاصة بعد وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة