تقترب الحرب في اليمن من إنهاء عامها الرابع التي أدت إلى تراجع الاقتصاد اليمني وانخفاض دخل الفرد وأزمات معيشية وصحية في بلد غني يمتلك أهمية استراتيجية في الساحة الدولية والإقليمية. حيث يستحوذ اليمن على أهمية استراتيجية في الساحة الدولية على صعيد الجغرافية السياسية (جيوبوليتيكا) وعلى الصعيد الاقتصادي.
أهمية الموقع الإستراتيجية:
يتمتع اليمن بأهمية استراتيجية كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية بشكل خاص فهو يشرف على باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط وخاصة بعد افتتاح قناة السويس، الأمر الذي جعله مصدر اهتمام القوى الدولية على مر التاريخ حيث يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي وهو عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا كما أن اليمن وبمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج وأي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة في أمن واستقرار دول الخليج.
يشكل باب المندب علامة فارقة في أهمية اليمن الاستراتيجية وما يجعل الاهتمام بأمنه واستقراره مسألة لا تعني اليمن فحسب وإنما دول الخليج وربما الدول العربية بصفة عامة. من جهة أخرى يشكل اليمن منذ القديم خزاناً للعرب فانطلاقة العرب الذين يعودون بالنسب إلى قبائل قحطان وعدنان العربية كانت منه والهجرات أيضاً خرجت منه.
رأي خبراء:
يقول الدكتور في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية في جامعة دمشق علي عباس إن “اليمن يتمتع بأهمية جيوسياسية تتجلى بالموقع الجغرافي وما يختزنه هذا النطاق الجغرافي من ثروات وموارد طبيعية هامة (فوق الأرض وتحتها) إضافة إلى الإرث الحضاري والثقافي للشعب اليمني الأكثر تميزاً في شبه الجزيرة العربية”.
ويتابع الدكتور عباس “هذا من جانب ومن جانب آخر ينطوي الموقع الجغرافي لليمن على أهمية استراتيجية تتجلى بإشرافه على مضيق باب المندب الذي يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بالأهمية بعد مضيقي ملقا وهرمز إضافة الى امتلاك اليمن للعديد من الجزر ذات الموقع الهام والتي تضاعف من الأهمية الاستراتيجية لموقعه البحري وبخاصة جزيرة سقطرى. هذا ويعد اليمن البوابة الجنوبية لمنطقة الشرق الأوسط. وبالتالي فإن السيطرة على هذا الموقع الجغرافي والتحكم بمضيق باب المندب يعد حاجة استراتيجية لدى الولايات المتحدة الامريكية وكذلك لدى القوى العالمية الكبرى الصاعدة وفي مقدمتها الصين وروسيا إضافة الى حاجته الموضوعية للقوى الإقليمية الكبرى المتنافسة والراغبة في توسيع نفوذها الإقليمي لضما نأمنها الإقليمي والاستراتيجي”.
وختم الدكتور عباس “بناء على ما سبق يمكننا القول: إن مسار تطور الصراع الراهن في اليمن وعليه ومن ثم حسمه سيسهم بشكل فاعل في التشكل الجديد للنظام الدولي الراهن الآخذ في التحول”.
من جهته يقول الباحث مهران غطروف إنه “في الواقع تكمن الأهمية الذهبية لموقع اليمن الجيواستراتيجية في تكونه من جبهتين مائيتين، تمتدان على مسافة وقدرها 2500 كم الأولى تطل على بحر العرب وخليج عدن جنوبا، والثاتية على البحر الأحمر غربا. وضاعف من أهمية موقع اليمن انتشار جزره البحرية في مياهه الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر. كجزيرة بريم المطلة على مضيق باب المندب والذي زادت أهميته البحرية بعد إنشأ قناة السويس حيث أصبح بدوره أحد أهم المضائق المائية العالمية، باعتباره يشكل “عنق الزجاجة” بالنسبة للبحر الأحمر والمتحكم بالطرق التجارية بين الشرق والغرب””.
ويضيف الكاتب “فبحسب المعطيات يمر عبر باب المندب يوميا، ما نسبته 4% من الطلب العالمي على النفط وما يعادل نسبته أيضا ١٠% من الشحنات التجارية العالمية. هذه الخصائص، جعلت باب المندب يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تعبره يومياً ما زاد في أهميته الاستراتيجية وقيمتة الاقتصادية. ليجعل ذلك بدوره من موقع اليمن الجيواستراتيجي اليوم ساحة صراع محلي — أقليمي — دولي لأنه يجعل من الجهة المسيطرة عليه لاعبا أساسيا في المنطقة والعالم ويمنحها القدرة على التحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية العالمية”.
الثروات المائية والباطنية
ويعد سد مأرب المائي في اليمن أحد أقدم السدود في العالم معجزة في تاريخ شبه الجزيرة العربية الأمر الذي يضيف لأهميته التاريخية والاستراتيجية بعداً آخر. وأكد الباحث الألماني ويرزدوم الذي زار اليمن وألف كتاباً بعنوان “اليمن ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة أن “اليمن يختلف فكرياً وثقافياً واجتماعياً عن الدول العربية المحيطة به وهو ما يجعله محاصراً دائماً أضف
إلى ذلك ما يتمتع به الشعب اليمني من ذكاء وعندما أراد العثمانيون احتلاله فشلوا وقتل الكثير منهم حتى سمي بـ مقبرة الأناضول”.
ونقل موقع “المركز العربي الديمقراطي” تقريرا أوردته صحيفة “هافينغتون بوست” حمل عنوان “حرب اليمن بين المصالح الداخلية والخارجية” أشار الكاتب من خلاله إلى أنه غالباً ما تشير وسائل الإعلام الغربية إلى اليمن بأن إنتاجه من الطاقة قليل لكن حقيقة الأمر أنه البلد الذي يتربع على احتياطات نفطية وغازية كبيرة جداً ويؤكد الكاتب أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت تدرك ومنذ أمد بعيد أهمية اليمن وما يختزنه من احتياطات هائلة من النفط مشيراً إلى برقية سرية للسفير الأمريكي السابق لدى اليمن ستيفن سيش عام 2008 نشرها موقع “ويكيليكس” جاء فيها: إن محافظات شبوة ومأرب والجوف لديها احتياطات من الغاز بكميات كبيرة أما بالنسبة للنفط فوفقاً لمسح جيولوجي مفصل لشركة (يو إس جي إس) يمتلك اليمن خزانات نفطية بحرية ضخمة ما يبين أن احتياطات النفط غير المستغلة في اليمن هي أكبر من الاحتياطيات في المنطقة (بحسب الموقع).
ودفعت الحرب في اليمن إلى تعزيز التواجد العسكري الدولي في المنطقة حيث توجد قواعد عسكرية من دول مختلفة في المنطقة بهدف حماية مصالحها الاستراتيجية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا إلى جانب انتشار واضح لأساطيل الدول العظمى والإقليمية والقوى الكبرى لمراقبة خليج عدن وحماية الممر المائي من عمليات القرصنة فضلا عن تطورات الحرب في اليمن الذي يواجه صراعا وحربا تدور رحاها بين قوى محلية مدعومة بأخرى إقليمية ودولية.
واندلعت الحرب الحالية في عام 2015 وتقود السعودية التحالف لدعم قوات حكومة هادي لاستعادة حكم البلاد منذ 26 مارس/ آذار 2015 ضد جماعة “الحوثيين” الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وتدعم الولايات المتحدة التحالف العسكري السعودي في اليمن بمهام لإعادة تزويد الطائرات بالوقود في الجو فضلا عن دعم يتعلق بجمع المعلومات والاستهداف.
وكان مجلس النواب الأمريكي قد صوت، في فبراير/ شباط الماضي على مشروع قرار بشأن تعليق الدعم الأمريكي للتحالف العسكري السعودي في حرب اليمن. إذ صوت لصالح القرار 248 صوتا مقابل 177 ضد.
وأقر مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس الماضي مشروع قانون ينهي الدعم العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن.
وصوت الأعضاء بأغلبية 54 صوتا مقابل 46 في المجلس المؤلف من 100 عضو لصالح القانون الذي يسعى لمنع القوات الأمريكية من أي نوع من المشاركة في الصراع بما في ذلك توفير دعم للضربات الجوية السعودية على صعيد الاستهداف دون تفويض من الكونغرس.
وبالمقابل أوصى مستشارو البيت الأبيض يوم أمس الأول بأن يستخدم الرئيس دونالد ترامب حق النقض ضد قرار ينهي دعم واشنطن للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
وطالب الأعضاء الخمس الدائمون في مجلس الأمن الدولي منذ أيام طرفي حرب اليمن بتطبيق اتفاق السلام حول مدينة الحديدة الساحلية وهي خطوة يأملون أن تؤدي إلى نهاية الصراع الدائر منذ أربع سنوات.
وقال سفراء الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة لدى اليمن في بيان إنهم يشعرون بقلق بالغ إزاء عدم تنفيذ الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في ستوكهولم في ديسمبر/ كانون الأول، بحسب وكالة “رويترز”.
واتفقت حكومة الحوثيين والحكومة المدعومة من السعودية على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات من الحديد وتبادل الأسرى وإعادة فتح ممرات إنسانية لمساعدة ملايين اليمنيين الذين يعانون الجوع مع نشر مراقبين دوليين للإشراف على الوضع.
وأدى النزاع الدامي في اليمن حتى اليوم إلى نزوح مئات الآلاف من السكان من منازلهم ومدنهم وقراهم وانتشار الأمراض المعدية والمجاعة في بعض المناطق وإلى تدمير كبير في البنية التحتية للبلاد.