لازال معسكر العدوان على اليمن يراهن على تغير التوازنات الميدانية، وان لم تتغير، فهو يراهن على تغير التوازنات الاقليمية والدولية، لسبب بسيط وهو ان العدوان على اليمن يتخطى نطاق الشرعية المزعومة وحتى التوتر الخليجي الايراني المفتعل كذريعة خليجية للتطبيع والتحالف الوثيق مع المشروع الصهيوامريكي، الى نطاقات ارحب تتعلق بالصراع الدولي والهيمنة على قوس الازمات الشهير في الاستراتيجية الامريكية والذي تقع اليمن بموانئها على نقاط مفصلية به.
قوس الازمة الذي حدده بريجنسكي مرفق مع توصيفه توصيات، بأن لا يقع تحت سيطرة اي قوة معادية لامريكا.
ومن هنا فإن معسكر العدوان نراه يتخطى نطاق دول وكيلة مثل السعودية والامارات، ليصل الى نطاق امريكي بريطاني صهيوني، ويمتد ليشمل قوى الاستعمار التقليدية الطامحة الى السيطرة على مفاصل التجارة الدولية.
ولعل الاحداث والمستجدات تؤكد ان المشاهد الاستعمارية يعاد استدعاؤها من التاريخ، او تعيد نفسها تلقائيا بسبب عودة النوايا والتوجهات.
فقد رأينا وصول وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الأحد، إلى عدن في زيارة قيل انها (مفاجئة).
والتقى المسؤول البريطاني من يتم تعريفه على انه (نائب رئيس الوزراء اليمني) سالم الخمبشي، ومن يتم تعريفهما بوزيري الخارجية خالد اليماني والداخلية أحمد الميسري.
والمعلن في الاخبار ان زيارة جيريمي تأتي في إطار جولته الحالية في المنطقة لإنقاذ اتفاق ستوكهولم والضغط لتنفيذ اتفاق إعادة الانتشار في الحديدة.
وشملت الزيارة العاصمة العمانية مسقط والرياض، و أبوظبي كمحطة أخيرة بعد عدن.
وكان وزير الخارجية البريطاني قال في وقت سابق، إنه اتفق مع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير على ضرورة أن تنسحب (ميليشيات الحوثي) من الحديدة فورا.
هذا المشهد ربما يعيدنا الى ما يقرب من مئتي عام مضت، عندما سعت بريطانيا لاحتلال عدن، حيث قامت ببعض المقدمات لاحتلالها، فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينز أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن في عام 1835م وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية وقد أشار هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية.
والتاريخ يقول لنا، انه كان لا بد للإنجليز من سبب يبررون به احتلالهم لعدن، فكان أن وقعت حادثة استغلوها استغلالا كبيرا، ففي عام1837م جنحت سفينة هندية تسمى “دريادولت” وكانت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن فادعى الإنجليز أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض حمولتها وأن ابن “سلطان لحج وعدن” كان من المحرضين على نهب السفينة.
وقد وجدت بريطانيا ضالتها لاحتلال عدن وادعت بأن الصيادين اليمنيين قاموا بنهب تلك السفينة وطالبت بالتعويض من قبل سلطان سلطنة لحج محسن العبدلي أو بتمكين بريطانيا من السيطرة على ميناء عدن وكان موقف السلطان العبدلي رفضه بالمساس بالسيادة اليمنية ووافق على دفع أية تعويضات أخرى. ولكن بريطانيا التي لم يكن في نيتها الحصول على أية تعويضات وانما هدفها هو الاحتلال وفرض سيطرتها العسكرية على مدينة عدن ومينائها الاستراتيجي رفضت قبول التعويض وطلبت احتلال عدن مقابل التعويض عما ادعته من نهب الصيادين اليمنيين لمحتويات السفينة وبدأت في الاستعداد لتنفيذ غرضها بالقوة المسلحة.
وفي 22 يناير 1838 وقع سلطان لحج محسن بن فضل العبدلي معاهدة بالتخلي عن 194 كيلومتر مربع (75 ميلا مربعا) لصالح مستعمرة عدن وذلك تحت ضغوط البريطانيين مقابل شطب ديونه التي يقال انها كانت لاتتجاوز 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، مشترطا أن تبقى له الوصاية على رعاياه فيها.
وفي عام 1839م أعدت حكومة الهند البريطانية عدة إجراءات للاستيلاء على عدن، ففي 16 يناير دفع القبطان “هينز” بعدد من السفن الحربية بهدف احتلال ميناء صيرة فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة الأمر الذي أجبر السفن البريطانية بالتراجع والانسحاب، ولعل هذه الخطوة من قبل البريطانيين كانت بمثابة بالون اختبار لمدى إمكانات المقاومين اليمنيين والذين بالطبع كانوا يمتلكون أسلحة بدائية ومنها عدد قليل من المدافع التقليدية الرابضة فوق قلعة صيرة المطلة على ميناء عدن القديم.
وبعد ثلاثة أيام في 19 يناير 1839م قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر.
هذا ما حدث بالتاريخ، وهذا ما يحاول العدوان استنساخه بمقدمات واغراءات وارهاب، وربما يراد جعل المفاوضات سلاحا ذي حدين، حده الاول يتعلق بكسب الوقت رهانا على تغير التوازنات على الارض وكذلك التوازنات الاقليمية والدولية، وحده الثاني، تخفيف الحرج والضغوط الاخلاقية على العدوان ومحاولة تصوير
الوضع على انه تعنت من المقاومة وفشل للمسار السياسي واستدعاء لتدخل استعماري صريح.
كل ذلك سيفشل اذا ما توحدت اليمن على قلب رجل واحد وراء المقاومة، ونزعت الشرعية عمن يعملون مطايا للاستعمار ويمهدون لتدخل استعماري ويبررون له ويعطونه مسوغا شرعيا.
لن يستطيع الاستعمار السيطرة على اليمن ما دامت بها مقاومة ومقاومون، وعلى الشعب اليمني ان يتعظ ويفطن لحقيقة العدوان ولدور المقاومة، والذي يتخطى الخلافات السياسية والقبلية الضيقة.