مدينتان عربيتان هما غزة الفلسطينية وديربون الأمريكية قد تكونان سبباً في فشل الرئيس الأمريكي جو بايدن في الاستمرار في البيت الأبيض خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 وعودة منافسه دونالد ترامب للرئاسة.
إذ تلقي حرب غزة بظلالها على انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، حيث باتت نقطة ضعف بارزة للرئيس الأمريكي جو بايدن، حسبما ورد في تقرير لمنصة "أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي.
فلقد برزت فلسطين كقضية رئيسية ضمن القضايا التي يهتم بها الجمهور الأمريكي في اختيار مرشحيه، خاصة داخل قاعدة الحزب الديمقراطي، بعدما خسر "بايدن" العديد من الداعمين الذين صوتوا ببطاقات بيضاء في الانتخابات التمهيدية (حوالي 40 ألفاً) للتعبير عن غضبهم إزاء دعم الرئيس الواسع للحرب على غزة.
الانحياز لإسرائيل كان من ثوابت السياسة الأمريكية
كانت الولايات المتحدة تاريخياً منحازة لـ"إسرائيل" بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي، لكنّ الديمقراطيين بصورة خاصة ارتبطوا بمناسبات حاسمة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1917 لم تجرؤ الحكومة البريطانية برئاسة جورج لويد على إصدار "وعد بلفور" إلا بعد أن ضمنت موافقة الرئيس الأمريكي الديمقراطي وودرو ويلسون في سبتمبر/أيلول 1917.
وفي عام 1948، كان الرئيس الديمقراطي هاري ترومان أول من اعترف بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلان إنشائها، بينما حمت إدارة ليندون جونسون، الديمقراطي أيضا إسرائيل بعد توسعها وسيطرتها على فلسطين التاريخية بعد حرب 1967.
لكن بات هناك انقسام بشأن فلسطين وإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي بفضل الشباب والأفارقة
لكنّ الحزب الديمقراطي يواجه اليوم تحدياً داخلياً؛ إذ تتجه مجموعات مهمة من قاعدته لدعم فلسطين، الأمر الذي يعتبر تغيراً جذرياً في موقف الحزب الذي يتمتع بقاعدة واسعة ومتعددة الخلفيات.
أدى موقف بايدن الداعم بشدة لإسرائيل إلى انقسامات داخل قاعدة الحزب الديمقراطي في أمريكا، اثارت القلق مساعديه حيال تأثير ذلك الرفض المحتمل على فرص إعادة انتخابه في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024. إذ أبدت المجموعات الأكثر تأييداً للقضية الفلسطينية، مثل الناخبين الشباب، والأمريكيين من أصل أفريقي، واللاتينيين، الذين يشكلون جزءاً مهماً وكبيراً من القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي، عدم موافقتهم على تعامل بايدن مع الصراع.
شعبية بايدن تنخفض إلى 40% بعد طوفان الأقصى لأول مرة منذ انتخابه
وانعكست سياسات بايدن تجاه القضية الفلسطينية بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024 على شعبيته بشكل كبير.
ففي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أظهر استطلاع أجرته شبكة NBC News، انخفاض معدل تأييد الرئيس جو بايدن إلى أدنى مستوى خلال رئاسته لتصل– 40%، مع عدم موافقة 57% على دعمه.
كما لا توافق أغلبية كبيرة من جميع الناخبين على تعامله مع السياسة الخارجية والحرب بين إسرائيل وحماس، وفقاً لأحدث استطلاع وطني أجرته شبكة إن بي سي نيوز.
جيل Z يتعاطف مع فلسطين أكثر من إسرائيل وهو أكثر ميلاً للمشاركة السياسية
يظهر الناخبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً انخفاضاً كبيراً في نسبة تأييد بايدن، حيث انخفضت من 46% إلى 31%. وفي ملفات السياسة الخارجية على وجه التحديد، أظهر الاستطلاع موافقة 33% فقط من جميع الناخبين على طريقة تعامل بايدن، بانخفاض 8 نقاط عن سبتمبر/أيلول، بينما رفض 62% منهم سياسة بايدن.
وفيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، فإن 34% فقط من إجمالي الناخبين يوافقون على نهج بايدن، بينما لا يوافق عليه 56%. وتعكس هذه الاستطلاعات مناخاً سياسياً مليئاً بالتحديات للرئيس بايدن، الذي يواجه انخفاض معدلات تأييده بين الفئات السكانية الرئيسية، واستياء متزايد من تعامله مع قضايا حاسمة مثل السياسة الخارجية.
ويؤثر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، بوسائل مختلفة، بعدما بات محل اهتمام الناخبين، خاصة الشباب، والذين يتعاطفون مع فلسطين أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل. وفي استطلاع للرأي نظمته جامعة كوينيبياك الرائدة في قياس نبض الشارع الانتخابي، أعرب 66% من الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً عن عدم موافقتهم على رد فعل "إسرائيل" على هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في السنوات الأخيرة؛ كان الجيل Z قوة رئيسية في الحياة المدنية داخل أمريكا، فقد قاد الحركات الاجتماعية وقام بالتصويت بمعدلات أعلى مما فعلته الأجيال السابقة عندما كانوا في نفس العمر.
وفي انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، سيكون هناك 40.8 مليون شخص من الجيل Z (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً) مؤهلين للتصويت، بمن في ذلك 8.3 مليون شاب (تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاماً) سيدخلون التصويت لأول مرة، وهو ما يجعلهم كتلة فاعلة مرجحة في الانتخابات المقبلة. ويمثل الشباب غير المحسوبين على "الأمريكان البيض" ما يقرب من 45% من ناخبي الجيل Z في عام 2024، بما في ذلك 47% من الناخبين المؤهلين الجدد، وهم في الغالب يفضلون التصويت للديمقراطيين، ومن ثم ستكون آراؤهم محل اهتمام عند الساسة الأمريكيين.
صوت المسلمين في الانتخابات الأمريكية 2024 سيكون مؤثراً لوجودهم القوي بولاية ميشيغان المتأرجحة
في الولايات المتحدة، يبلغ نسبة العرب الأمريكيين 0.7% فقط من السكان، بينما تبلغ نسبة المسلمين أقل من 1.3% من السكان. ومعظم الولايات المتأرجحة لا تضم عدداً كبيراً من السكان العرب الأمريكيين أو المسلمين، وفقاً لتقرير لموقع شبكة ABC News الأمريكية.
تشتهر ولاية ميشيغان تاريخياً بأنها ضمن الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين (أريزونا وجورجيا وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن).
وينفق المرشحون الرئاسيون جزءاً كبيراً من وقتهم ومواردهم على الولايات المتأرجحة، حيث إن الفوز في هذه الولايات أمر ضروري لتأمين 270 صوتاً انتخابياً للفوز بالانتخابات الرئاسة.
ولكن قد تكون المعضلة الرئيسية بالنسبة لبايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 في ولاية ميشيغان وهي ولاية متأرجحة تضم أكبر نسبة وعدد من العرب، بنسبة 2.1% من سكانها، وبعض التقديرات ترفع الرقم إلى أكثر من ذلك إلى نحو 300 ألف قبل عشرة أعوام، بينما يقدر نسبة المسلمين بالولايات بنحو 3%.
ولا يتركز العرب في ديربورن التي توصف بعاصمة العرب الأمريكييين وحدها بل مناطق أخرى في جنوب شرق الولاية حول ديترويت كبرى مدن الولاية والعاصمة التاريخية لصناعة السيارات الأمريكية.
وقد فاز بايدن في انتخابات عام 2020 بولاية ميشيغان بنسبة 50.62% من الأصوات، بينما حصل دونالد ترامب على 47.84%. وتمتلك ميشيغان 16 صوتاً انتخابياً، ما يجعلها ولاية حاسمة في الانتخابات الرئاسية.
وأظهرت التطورات الأخيرة في ميشيغان تحولا في مشاعر الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين في الانتخابات التمهيدية بالولاية؛ حيث أدلى أكثر من 101 ألف ديمقراطي بأصوات احتجاجية (غير ملتزم) ضد بايدن، بنسبة تقارب 13%، خاصة في المدن التي تضم عدداً كبيراً من السكان الأمريكيين من العرب والمسلمين مثل ديربورن. وينبع هذا السخط من سياسة بايدن مع الصراع بين إسرائيل وحماس، ما يعتبر رسالة احتجاج من الناخبين.
بوسع الناخبين الأمريكيين المسلمين أو العرب أن يقلبوا الموازين في ميشيغان… ولكن فقط إذا كانت نتائج الولاية متقاربة جداً بين بايدن وترامب، حسبما ورد في تقرير شبكة ABC News.
في ولاية مينيسوتا فازت حملة نظمها أعضاء الجالية المسلمة لحمل الناخبين على التحقق من "غير الملتزمين" في الانتخابات التمهيدية الرئاسية الديمقراطية بالولاية بما يقرب مم 46 الف صوت ، بنسبة تقارب 20%، وهو ما يتجاوز بكثير هدفهم البالغ 5000 صوت. جدير بالذكر، أنه في الانتخابات التمهيدية التي خاضها بايدن عام 2020، صوّت 2612 فقط بـ"غير ملتزم"، وهو ما يعكس التحول الهائل عند مقارنته بالتصويت الراهن.
حملة بايدن تراهن على أن المسلمين لن يصوتوا لترامب
تعتمد حملة بايدن على أن الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين سيصوتون له في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 على أي حال عندما يفكرون في البديل المحتمل: هو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يدعم أيضاً إسرائيل وله تاريخ من الخطاب المناهض للمسلمين.
لكن تقرير موقع شبكة ABC News الأمريكية يقول إنه ليس من الحكمة أن يعتبر الديمقراطيون الناخبين العرب الأمريكيين أو المسلمين أمراً مفروغاً منه خلال التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024.
العرب كانوا يبتعدون أصلاً عن بايدن ويقتربون من الجمهوريين كالأفارقة واللاتين
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن العرب كانوا يبتعدون عن الديمقراطيين ويقتربون ببطء من الجمهوريين، حتى قبل الحرب بين إسرائيل وحماس، لأسباب متعلقة في كثير من الأحيان بالاقتصاد وإغلاقات كورونا وعوامل أخرى متعددة، (مثلهم مثل اللاتين والأفارقة).
ويصر بعض العرب الأمريكيين الذين عارضوا بايدن في الانتخابات التمهيدية على أنهم سيقفون ضده بحزم خلال التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024.
تأييدهم لبايدن انخفض من 57 % خلال الانتخابات السابقة إلى 17 % في المقبلة
ووفقاً لاستطلاع أجراه المعهد العربي الامريكي (جون زغبي) في الفترة من 23 إلى 27 أكتوبر/تشرين الأول، انخفض الدعم للرئيس بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 بين الناخبين الأمريكيين العرب، حيث انخفض من 59% إلى 17%، بانخفاض قدره 42% عن عام 2020، بينما تقدم التأييد لترامب بين العرب الأمريكيين ليصل إلى 40 في المئة. كما رفض العرب الأمريكيون رد فعل بايدن على العنف في فلسطين وإسرائيل بنسبة 67%.
كما انخفض معدل تأييد بايدن بشكل حاد من 74% في عام 2020 إلى 29% في عام 2023، مما يعكس الاتجاهات السائدة. ويمثل العرب الأمريكيون مئات الآلاف من الناخبين في العديد من الولايات الانتخابية الرئيسية، مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا، حيث ستدور ساحة المعركة الرئيسية في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024.
عدد الأمريكيين العرب الذين يعتبرون جمهوريين بات أكثر من الديمقراطيين
وللمرة الأولى منذ عام 1996 على الأقل، أصبح عدد الأمريكيين العرب الذين يعتبرون جمهوريين أكثر من كونهم ديمقراطيين، 32% مقابل 23%. وقبل ستة أشهر فقط، في أبريل/نيسان، كان 40% قد حددوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون و24% كانوا جمهوريين.
والسؤال الكبير بطبيعة الحال هو ما إذا كان هؤلاء الناخبون سيعودون إلى حظيرة الديمقراطيين بحلول الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني.
وما زال الكثير من العرب الأمريكيين – 25% في استطلاع تشرين الأول/أكتوبر الذي أجرته مؤسسة جون زغبي، لم يقرروا بعد من سيدعمون لمنصب الرئيس.
ويرى خالد توراني، الرئيس المشارك لإحدى المجموعات المناهضة لبايدن، أن الناخبين العرب والمسلمين لن يدعموا بايدن نظراً للألم الناتج عن الصراع في غزة وطبيعته الشخصية بالنسبة لمجتمعهم.
في المقابل، يشكك القادة المسلمون والعرب الأمريكيون في ميشيغان في أن مجتمعهم سيصوت بأعداد كبيرة لصالح ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024.
ويمكن للمسلمين والأمريكيين العرب ببساطة حجب أصواتهم عن كل من بايدن وترامب في نوفمبر/تشرين الثاني. وفقاً لهيرا خان، المدير التنفيذي المؤقت لفرع Emgage في وهي مؤسسة معنية بتعزيز دور المسلمين.
وتحدثت Emgage إلى الكثير من المسلمين الذين "يشعرون باللامبالاة تجاه التصويت. لقد شعروا بالخيانة الشديدة من قِبل الإدارة الحالية. كنا نسمع الكثير من الناس يقولون إنهم لا يريدون الخروج والتصويت".
هذه المؤشرات باتت تزعج الديمقراطيين إزاء شكل انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، لأن القضية الفلسطينية، وتحديداً الحرب على غزة، باتت أقرب ما تكون لتصبح "مسألة انتخابية" في الولايات المتحدة، الأمر الذي يعني أن الموقف من غزة وفلسطين قد يكون سبباً في نجاح أو سقوط مرشح الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية في أمريكا، حسب تقرير منصة أسباب.
لذا يتوقع أن تكون الإدارة الأمريكية أكثر جدية خلال الفترة القادمة في إظهار دعمها لجهود احتواء الحرب وممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو، كما ظهر في الانتقادات التي وجهها لنتنياهو السيناتور اليهودي الديمقراطي تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. لكنّ هذا التحول لا يعني أن واشنطن بصدد التخلي عن أهداف الحرب نفسها، وهو ما يعني أن جهود "بايدن" لاسترضاء الناخبين الداعمين لفلسطين ستكون على الأرجح غير كافية.
في كل الأحوال، ما زال من المبكر ترجيح مآل الانتخابات الرئاسية؛ حسب تقرير منصة "أسباب"، فالناخبون لا يتأثرون بقضية واحدة وإنما يفكرون في قضايا متعددة عند اتخاذ القرار.
ويمكن الإشارة مثلاً إلى قضية الهجرة غير الشرعية كواحدة من القضايا التي لها تأثير في توجيه الناخبين داخل كلا الحزبين. فبينما يواجه بايدن تراجعاً في الدعم على خلفية حرب غزة، فإن ترامب قد يكون بديلاً أكثر خطورة من وجهة نظر هؤلاء الغاضبين من بايدن.