قتل ونزوح ودمار في كل مكان، حرب تجويع وإبادة جماعية لا تتوقف ضد شعب أعزل حُرم من أدنى مقومات الحياة".
هكذا يحل شهر رمضان المبارك على أهالي قطاع غزة حزينًا موجعًا بلا طقوس ولا مظاهر، أو حتى أنوار أطفأت بهجتها آلة الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة للشهر السادس على التوالي.
ففي هذا الوقت من كل عام، كانت تتزين غزة وأسواقها بأبهى صورها وتزخر بأكلاتها الرمضانية الشهية والمتنوعة، استقبالًا لشهر الخير والبركات، لكن المشهد لم يعد كما كان، بل بدا هذا العام مغايرًا تمامًا، بعد أن حلت مكانه مشاهد القتل والدمار والتجويع.
ألم وحزن
وألقت الحرب الإسرائيلية الهمجية بثقلها على الوضع الاقتصادي والمعيشي السيء أصلا في قطاع غزة.
ومن يتجول اليوم في شوارع غزة وأحيائها وأسواقها، يشعر بالحزن والألم على ما حل بها من دمار هائل وركود اقتصادي غير مسبوق، بعدما كانت تشهد ازدحامًا قُبيل رمضان، وتعج محالها التجارية بالمأكولات الرمضانية والحلويات والقطايف والعصائر المتنوعة، وتتزين منازلها وحاراتها بالفوانيس وأحبال الزينة الملونة، التي تضفي رونقًا وجمالًا خاصًا، يجعل القلب يخفق شوقًا للشهر الفضيل.
وترتسم ملامح الألم والبؤس على وجوه الغزيين ولسان حالهم يقول "بأي حال جئت يا رمضان، جئت في ظروف إنسانية قاسية؛ فلا بيوت تأوينا، ولا كهرباء وغاز ولا طعام نأكله ولا شراب يروي عطشنا بعد الصيام".
ويتساءل الغزيون "كيف نصوم شهر رمضان ونُعوّد أطفالنا الجوعى على صيامه، بلا فطور وسحور، في ظل انعدام المستلزمات الأساسية، وتوفر أي شيء يُقوينا على تحمل مشقة الصيام ويسد جوعنا".
حقوق مسلوبة
المواطن أبو محمود من سكان مدينة غزة، وهو أب لطفلين، يقول في تصريحات صحفية لوسائل إعلام فلسطينية": "رمضان هذا العام حزين، نفتقد بهجته ورونقه، بسبب الحرب وحالة الجوع والقهر التي نعيشها منذ خمسة أشهر".
ويضيف "دائمًا ما ننتظر هذا الشهر على أحر من الجمر، نتجهز لاستقباله والاحتفال به وأداء صلاة التراويح، لكن هذه الحرب نغصت فرحتنا برمضان، وفاقمت معاناتنا وحرمتنا من أبسط حقوقنا".
وما يعتصر قلب المواطن أبو محمود عدم قدرته على توفير أي طعام وشراب لعائلته، كي تتناوله على مائدتي السحور والإفطار، نتيجة شح البضائع والمواد الغذائية الأساسية في أسواق غزة.
ويقول: "ننتظر انخفاض سعر الطحين والأرز لأجل شرائه وإطعام أطفالنا برمضان، لأننا لا نستطيع شراء اللحوم، نظرًا لارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق في حال وُجدت".
وتخلو أسواق غزة وشمالها من السلع والمواد التموينية والغذائية الأساسية، والخضروات والفواكه، التي اعتاد المواطنون على شرائها خلال الشهر الفضيل.
وما يُميز رمضان كل عام، مشهد اجتماع أفراد العائلة على مائدة الإفطار المزينة بما لذ وطاب من الأطعمة والعصائر، في جوٍ يملؤه الحب والفرح، لكن هذا العام يفتقد آلاف الغزيين أبناءهم وذويهم الذين استشهدوا خلال هذه الحرب المدمرة.
ويكمل أبو محمود حديثه قائلًا: "أقسى رمضان يمر علينا، وما يزيد حزننا ومعاناتنا ويحرق قلوبنا استشهاد شقيقي الذي سنفتقد وجوده على مائدة الإفطار في أول يوم برمضان".
ويطالب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والمنظمات الدولية بوضع آلية تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى كل المواطنين في شمالي غزة، وضرورة وقف سياسة التجويع التي تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم.
فرحة منقوصة
وأما المواطنة أم محمد بلال، وهي أم لأربعة أبناء، فتقول " : "فرحتنا بقدوم رمضان منقوصة وممزوجة بالوجع والفقد والحرمان من حقوقنا، لدرجة أننا لا نملك ما نطعم به أبناءنا بعد الصيام".
وتضيف "أوضاعنا الاقتصادية تفاقمت أكثر مع هذه الحرب، ولم نستطع شراء مستلزماتنا إن وجدت، في ظل ارتفاع الأسعار وقلة المال".
وتتابع "كل المظاهر الاحتفالية غابت بهذا الشهر، وحتى المساجد لم تعد تصدح بأصوات صلاة التراويح كما اعتدنا عليها في السنوات السابقة، بسبب قصفها وتدميرها بالكامل".
ورغم حرب الإبادة والتجويع، إلا أن الأهالي يصرون على البقاء على أرضهم، ويحاولون صناعة الفرح لأطفالهم والاحتفال بالشهر الفضيل، ولو بالشيء البسيط.
ومنذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، يشن جيش الاحتلال عدوانًا همجيًا على قطاع غزة خلف 31112 شهيدًا و72654 مصابًا، عدا عن تدمير ثلثي المباني السكنية، والبنية التحتية والمنشآت الاقتصادية.