بعد شهر من القتال فى غزة, لازالت اسرائيل ,بكل ماتملك من قوة عسكرية وتكنولوجيا ودعم أمريكى وغربى, عاجزة عن الحاق هزيمة سريعة بكتائب القسام, الجناح العسكرى لحركة حماس الفلسيطينية .
وبينما تسارع الولايات المتحدة لانقاذ, الدولة العبرية التى يعتمد عمودها الفقرى على التفوق العسكرى والاستخباراتى, فان صمود كتائب القسام, يبدو أنه نجح الى حد كبير فى كسر هذا العمود واصابته بشكل قاتل فى الصميم.
خطة القتال
وفيما الحرب تدخل اعتبارا من الآن شهرها الثانى على التوالى بدون توقف, فان حجم الخسائر البشرية والمادية الفادحة التى كبدتها كتائب القسام لقوات الاحتلال الاسرائيلية,يبدو صادما ومدهشا جدا,لكنه كان فى كل الأحوال ,متوقعا وان ليس بهذا المستوى العالى من الحرفية والتكتيك العسكرى.
تظهر خريطة التحركات الاسرائيلية, محاولة لتقطيع أوصال غزة الى جزئين والفصل مابين الشمال والجنوب,ثم لاحقا التحول الى مربعات صغيرة محدودة ,يدور فيها قتال منفرد ومباشر, بهدف تصفية الكتائب,التى لازالت حتى الآن تظهر عبقرية منقطعة النظيرفى احتواء الاجتياح البرى الاسرائيلى لقطاع غزة.
فقد الاسرائيليون أعصابهم, حتى أن وزيرهم للتراث عميحاي إلياهو , أصيب بالعمى وطالب بضرب غزة بقنبلة نووية,تعبيرا عن اليأس الذى يدب فى اسرائيل,أمام صمود المقاومة الفلسطينية وبسالتها.
تصريحات,ليست مجرد ذلة لسان أو تعبير جامح من وزيرمتطرف,لكنها بالأساس تعكس حلة الاحباط وخيبة الأمل التى يعيشها الاسرائيليون ومسئولو حكومة بنيامين نتانياهو ازاء الحرب الراهنة.
كعادته المذمومة ,وكتعبير عن فشلها الذريع والمحتوم فى تحقيق انتصار سريع على القسام,صعد سلاح الطيران الاسرائيلى من وتيرة هجماته على غزة.
لكن القسام,وتعبيرا عن ما تمتلكه من مخزون يبدو أنه لا ينضب,من السلاح ,أمطرت سماء اسرائيل بعشرات الصواريخ ,واختبرت بشكل عنيف وجاد, وعلى نحو غير مسبوق على الاطلاق, منظومة القبة الحديدية التى تفرض حمايتها هناك.
وبعد ساعات من ثانى زيارة يقوم بها وزير الخارجية الآمريكى أنطونى بيلنكن الى تل أبيب, خلال أسبوع واحد, هاهو مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، يصل إلى إسرائيل لمناقشة مستقبل الحرب المستمرة في غزة ,بالإضافة إلى المفاوضات المتعلقة بكيفية ابرام صفقة شاملة لاطلاق سراح الأسرى الرهائن لدى القسام ,قبل أن ينتقل لاحقا الى عدة عواصم في منطقة الشرق الأوسط لعقد اجتماعات مع مسؤولي الاستخبارات الأجنبية.
الهدف المعلن لاسرائيل,هو القضاء على البنية التحتية لحركة حماس,وتصفية نحو مائة من قيادتها العسكرية والسياسية, تم توزيع قائمة بهم على رأسها, مسئول حماس بغزة يحيى السنوار,على كل الوحدات المشاركة فى العمليات العسكرية.
لم تستمع اسرائيل, الى التحذيرات والتقديرات الرسمية لقادة منطقة الشرق الأوسط, وعلى رأسهم الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى,من استحالة تحقيق هذا الهدف أو تصفية المقاومة المسلحة.
طبقا لما قاله السيسى, بخلفيته الاستخيارتية والعسكرية,فان ذلك يتطلب سنوات طويلة جدا,مايعنى أن الجيش الاسرائيلى انزلق بالفعل الى حرب استنزاف طويلة ودامية , نجحت كتائب القسام,بدون شك فى جره اليها.
لكن هل ستنجح اسرائيل بجشيها واستخباراتها فى تصفية القسام وتدمير بنيتها التحتية؟
الاجابة على الشق الأول من السؤل هى لا قاطعة وكبيرة,بينما فيما يخص الجزء الثانى فان الة التدمير والحرب الاسرائيلية قد تنجح فى ارباك خطط القسام التكتيكية,لكن على المستوى الاستراتيجى ستفشل اسرائيل بالقطع.
لماذا ستفشل؟
على مدى أكثر من 23 سنه ,بدأت حماس,فى سرية تامة,فى بناء مواقع استراتيجية تحت الارض فى محاولة للتغلب على الحيز الجغرافى الضيق للقطاع,الذى يبلغ طوله 36 كيلو متر وعرضه 10 كيلومتر فقط,ويعتبر أكثر بقعة جغرافية فى العالم ,عرضة للمراقبة اللصيقة .
وبهدف تجنب الأقمار الصناعية ,ورصد الطائرات المسيرة لكل شاردة وواردة فى القطاع ,الذى يخضع لرقابة الكترونية وتلفزيونية صارمة على مدى الساعة,,دشنت حماس تحت الارض بعض الورش والمصانع المختلفة.
وتطورمستوى التصنيع العسكري لحركه حماس من القنابل اليدويه والأسلحة الخفيفه بعد عام 2000 وحتى الآن, فى نقلة نوعية فى مستوى القدرات.
وعن طريق التعلم والتقليد ,شرعت حماس فى تخصيص ميزانية غير معروفة لورش تتولى اعاده التصنيع عن طريق التقليد ,قبل أن تبدأ مرحلة التطوير الذاتى اعتمادا على احتياجات الحركة العسكرية.
درست حماس أيضا , التجارب لناجحة لحفر الانفاق فى عدة دول, وسرعان ما بدأت فى جلب واستخدام الات حفر محلية الصنع,كنماذج مقلدة من الالات االأجنبية التى استعصى شرائها أوالحصول عليها.
فى سرية تامة, تم تحويل باطن الأرض ,الى دولة كاملة على أبعاد عميقه جدا , لتجنب تأثير الضربات الجوية والحد من رصد عملية دخول وخروج مقاتلى حماس من الأنفاق الى الخارج ,فى مهامهم السرية.
ومبكرا,ابتكرت حماس شبكات مستقلة لنفسها فيما يتعلق بالكهرباء والهاتف والماء والصرف الصحى,بعيدا عن الشبكتين الاسرائيلية والفلسطينية.
ونجحت حماس عبر هذه الشبكات,فى توفير البيئة اللوجستية اللازمة لايواء المقاتلين ومخازن السلاح والطعام والدواء.
وفى بعض الأحيان اعتمدت حماس على الطاقه الشمسية فى توفير التيار الكهربائى, لكن الأهم أن نجاحها فى اقامة لشبكه اتصالات والانترنت غير مرتبطة بالشبكتين الفلسطينيه او الاسرائيليه, وفر لها وسائل اتصال آمنة لا تخضع للمراقبة.
اعتادت اسرائيل اطلاق تسميه مترو انفاق حماس,على شبكة الأنفاق السرية التى بنتها الحركة,بالنظرالى أن قواعد الصواريخ التى كانت تنطلق من تحت الأرض, على متن عربات مصغرة عبر شريط من السكة الحديد,مايسمح لمقاتلى حماس بالاختباء فوراطلاق الصواريخ أو المدفعية تجاه الاحتلال, لتجنب القصف المضاد.
ملاجىء آمنة
من بين الأشياء النادرة التى باتت معروفة عن حركة حماس,نجاحها منذ السيطرة على قطاع غزة عام 2008,فى بناء مدينة أخرى تحت الأرض,تشمل مخازن سلاح وملاجىء آمنة مجهزة بما يلزم لمواجهة الاحتلال الاسرائيلى.
وعلى الرغم من امتلاك اسرائيل ,والطبع أمريكا وحلفائهما, لتكنولوجيا عسكرية متقدمة وشبكة جواسيس على الأرض,فان أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بمخلتف أنواعها العسكرية والأمنية,بالاضافة الى المخابرات الامريكية والغربية, قدفشلت جميعها فى العثورعلى أى معلومة واحدة فقط بشأن الأسرى.
بالمناسبة أنت تتحدث هنا عن أكثر من 200 شخص, من بينهم ضباط برتب كبيرة فى جيش الاحتلال الاسرائيلى, بالاضافة الى بعض المستوطنين,وليس المدنيين , لأن هؤلاء المستوطنين بالأساس زرعتهم اسرائيل فى مستوطنات غلاف غزة,لتشكيل حاجز أمنى وتطويق غلاف غزة.
هذا العدد الكبير,القابع تحت الأرض,وبالامكان اخراجه فى أى لحظة,كما فعلت حامس فى عمليات التبادل المحدودة التى تمت حتى الآن,يخبرك بنجاح حماس فى ادارة المشهد.
عبر شبكة الأنفاق السرية,التى استغرق حفرها وتأمينها وتمويهها سنوات طويلة,تمكنت حماس من توفير الأمور اللوجستية التى تمكن مقاتليها من البقاء مختفين تحت الأرض,بعد عمليتهم الناجحة والمثيرة للجدل فى السابع من أكتوبر الماضى.
يحتاج هؤلاء الأسرى الى طعام وغذاء وحراسة وتأمين وعلاج طبى ان لزم الأمر,ولحسن الحظ ,يبدو أن هذا مافعلته حماس بنجاح حتى الآن.
كما يتطلب الاحتفاظ بهؤلاء, توفير ملاذات آمنة, يبدو أن بعضها قد تم تدميره فى اطارالقصف الاسرائيلى, ما دفع حماس الى الاعلان عن مقتل 50 من الأسرى,لكنها نجحت مع ذلك فى اخفاء مكان الجثث التى تم دفنها بسرية تامة,للمقايضة عليها لاحقا, بأسرى فلسطينيين فى سجون الاحتلال الاسرائيلى.
أنت تتحدث عن شبكة ضخمة من الأنفاق المترابطة مثل شبكات العنكبوت , تضم العشرات من الكيلومترات ,مايعنى أن لحماس خبرة كبيرة وباع طويل فى الخداع التكتيكى والاستراتيجى,وادرة الأزمة على نحو يحقق أهدافها.
فى كل الأحوال فشلت اسرائيل بعد 30 يوما من حرب الابادة والهمجية فى هز معنويات مقاتلى حماس أو اجبارهم على الخروج والتخلى عن الخطة, التى يبدو أنه تم اعدادها بسرية تامة وباتقان شديد على مدى السنوات الماضية.
وبينما صعد الاحنلال من غاراته الجوية على غزة بهدف الضغط على أعصاب حماس واستفزازها لترتكب ولو أى خطأ صغير قاتل, يكفى لتدميرها, فان كل الدلائل تقول أن حماس تدير الآزمة حتى الآن , باقتدار ,بعدما اخترعت الأنفاق وطورتها ,لتصبح مدينة كاملة مجهزة طبيا وغذائيا وعسكريا,كما أنها طورت جهاز استخبارات صغير خاص بها, لكنه فعال ومحترف,فى اطار مواجهة الجبروت الاسرائيلى,وما يمتلكه من تكنولوجيا معقدة.