ثورة ال 26 من سبتمبر برهانا مشرقاً وشمعة انتشر ضوئها على إتساع العالم وليس اليمن الجمهوري فقط، فهي ثورة ولدت من رحم القهر والفقر والتسلط، بعد أن سحق نظام الاستبدادية الأمامية الرجعية كل أحلام أبناءها المستنيرين .
فمنهم من ارتقى إلى عالم الأرواح عبر مقاصل الكهنوتية التي تفنن النظام حينها بنصبها بدلاً من أن ينصب أعمدة الرقي وجسور التقدم، ومنهم من سقطت رؤوسهم في ميادين المسالخ البشرية، التي هي إحدى منجزات ذلك النظام الإقطاعي الباغي، التي إعتاد على الدوام شرب دماء الأحرار حتى أصبحت شرابه المفضل، مغتسلا بدموع الثكالى واليتامى، طيلة فترة حكمه البالي .
نعم إنها ثورة الفجر والنور الجديد.. ثورة في وجه نظام الإذلال والعبودية الكئيب.. نظام أفسد مسيرة حياة شعب حتى كان أن يقضي على المشاعر الإنسانية، ويحيلها إلى حياة القردة والخنازير، نظام تسلح التجهيل وتوظيف الدين حسب الأهواء التسلطية العنصرية .
انه نظام لهو إمام منع الناس من أن يتصدقوا على من يتساقطون من المرض والجوع ، ليس لأنه من سيتصدق ولكن خشية أن يقال : لماذا الإمام لا يتصدق.؟ إمام تكبر وتعالى لا يستقبل أي شكوى إلا إذا سبقها ما كان يسمى آنذاك ( بالنذر) حتى وإن كان ربع كيلو من السمن أو ما قابله من النقود .
وها نحن اليوم نحتفل بالذكرى ال《 60 》لثورة ال26 من سبتمبر المجيدة ،بات لزاماً علينا أن نستحضر إحدى قصص الأحرار مع إمام القهر والإستبداد، وذلك عندما استفز الأحرار بعد أن تمتع بإقامة مذبحة بشرية بشعة تخلص عبرها على العديد من الأحرار والعلماء والمشائخ والمفكرين والضباط، وذلك انتقاماً لأبيه الصريع يحيى وحفاظاً على مملكة السلالة العنصرية الدموية، عبر إصداره منشورا تضمن على عددا من وعود الكذب والتدليس والتي منها عزمه على إصلاح إدارة الدولة الوهمية وتنظيم عمل المحاكم التي لا وجود لعدالتها أصلا وكذلك نشر التعليم.
لتتبخر تلك الأماني المستعارة التي قابلها العكس من ذلك ، بل لم يلامس أرض الواقع شيء، ولكنها كانت فالمقابل عبارة عن إشارة إلهام تحررية إلى عدالة القضية الكامنة في ضمائر الأحرار، لتطفوا على السطح الوطني التحرري حركة “55” التي بظهورها كاد أن يسقط ذلك النظام المتهالك لولا شبابيك المكر والخداع الكهنوتية، التي أجاد نصبها الإمام، وذلك عندما تظاهر بعزوفه عن شغف البلاط الملكي، مبرراً على أن البديل في الحكم هو شقيقه عبدالله ، وإنه لايعارض ذلك.
وفي المقابل لم تكن الحركة الوطنية تدرك جيداً ،إن هناك من سيسيل لعاب كرامتهم الوطنية أمام إغراء المال الإنتقامي البائد، الذي سربه الإمام الماكر المتعطش للسلطة والدماء عبر سماسرة نظامه، حتى تمكن بالفعل من تمرير مخططه الظلامي مبدئيا، وذلك بإضعاف جيش الحركة والانقضاض على أبطالها التي انتهت عبر محاكمة قاضيها إمام الباطل وناصر الخداع والطغيان.
وبعد أن تمكن الثعلب الإمامي الماكر بالقبض على العديد من الأحرار والذي منهم المقدم الثلايا -رحمة الله عليه ط- بدأ يعاتب الأخير وكأنه لا يتنفس إلا العدل والمساواة (انسيت بأنني قربتك من مقامي ورقيتك إلى مقدم وبنيت لك بيتاً) يلي ذلك الحديث أن يلتفت إمام الإقطاعية إلى القطعان المتواجدين ليسألهم ما جزاؤه.؟ فردوا والمذلة تكسوا وجوههم (الإعدام) فما على الطاغية إلا أن أطلق إشارته التي إعتاد إطلاقها عند قطف الرؤس ولا ننسى مقولة فارس الجمهورية الشهيد المقدم الثلايا حين صرخ في وجه يعسوب الشر والإجرام قائلاً : “إنك لم تفعل للشعب شيئا”، ليموت حينها طاغية اليمن أحمد، ويعيش الثائر السبتمبري الحر الثلايا ، ومعه كل الثوار في صفحات المجد وفي وجدان الشعب وفي أرقى صفحات التاريخ ، وما كانت تلك الحركات والانتفاضات التحريرية الذي امتزجت بدماء الشهداء الأحرار، إلا عبارة عن وقوداً ثوري مشتعل استمر في الاحتراق حتى أن تحقق الحلم السبتمبري، في ال26 من سبتمبر 1962م .
هكذا هم الأحرار يظلون أحياء بمواقفهم وتضحياتهم متربعين على هامات المجد والتاريخ ، أما من ارتضوا وناصروا العبودية والإذلال لا تاريخ لهم سوى نفايات التاريخ المتعفن.
فما أجمل الثورات والانتفاضات عندما تكون نابعة من وجدان الوطنية المؤمنة بعدالة قضيتها، لن يزهق أثرها الزمن بل ستصبح دروساً يستفاد منها عشاق العدالة والحرية والكرامة وأحرار الشعوب فقط، وكيف يبادلون تضحيات من قضوا نحبهم على حبال مشانق التضحية الوطنية واسترجعوا للشعب كرامته المسلوبة من قبل عصابة سلالية مارقة، أبت إلا أن تعشق القبح والظلام، مستغلة عفوية الإنسان اليمني الذي من بذور تاريخه نبت إسم العرب، ليأتي يوم الخلاص الوطني، سبتمبر التحرير والنور والكرامة، حاملاً في يمينه بندقية أتقنت لغة التخاطب مع كهنة الرجعية والعنصرية المقيتة.
وها هو الشعب اليمني الجمهوري يعيش ساعات ذكرى ال (60) لثورة 26 المباركة من جديد كما هو في كل عام ، يقف لها المجد والتاريخ ، وترفع لها قبعات الحرية والعدالة، انها ذكرى حية بحجم وطن، يعيشها الشعب على مدار العام، يعيش بها الحرية التي كان ثمنها أولئك الأبطال ودمائهم الزكية، يعيش مرفوع الرأس، ولم يعد مسخرة بيد طاغية، ولا عبدا لمن رأوا في نسلهم قدسية، حتى أن وصل بهم جنون العظمة على إنهم سلطة الله على الأرض، لهم حرية القتل والنهب والسرقة ، الرحمة والخلود لكل شهداء الثورة السبتمبرية، وكل عام واليمن وأبناءه يتنفسون الحرية والعدالة والجمهورية.