ترى روسيا أن سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، من شأنها القضاء على تهديد الحركات الجهادية الأخرى، مثل تنظيم «داعش» و»القاعدة»، وهو ما تعهّدت به من خلال «اتفاق الدوحة» الذي نصّ على ألا تسمح طالبان بنشاط الحركات الجهادية داخل أراضيها كما أن وصولها إلى سدّة الحكم سيدفع الحركة إلى التعامل بـ»منطق الدولة» وتقييد نشاط الجماعات الجهادية الأخرى التي من شأنها تهديد أمن روسيا عبر حكومات آسيا الوسطى (طاجكستان، تركمانستان، أوزباكستان) بالتسلّل عبر حدودها الشماليّة، سواء للقيام بعمليات مسلّحة أو تهريب المخدّرات.
كما أن المسؤوليات الحكومية التي ستقع على عاتق حركة طالبان، من توفير الخدمات للشعب الأفغاني وإدارة شؤون الدولة، من شأنه ربما من وجهة نظر روسيا أن «يهذّب» الخطّ السياسي للحركة ويدفعها لاتخاذ مواقف أقلّ حديّة وأكثر تعاونًا مع المجتمع الدولي. خصوصًا مع حاجتها إلى الأموال في عملية إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة الأفغانية من جديد بعد الحرب الطاحنة التي استمرّت أكثر من عشرين عامًا.
أيضًا تعوّل روسيا على حركة طالبان في حال وصولها إلى السلطة، في معالجة مشكلة نبتة الأفيون المستخدمة في صناعة المخدّرات، والتي تصدّر أفغانستان 90% منه إلى روسيا وأوروبا، وتعرف روسيا وفاة 70 ألف قتيل سنويًا بسبب هذا المخدّر؛ ولذلك فإنها تعوّل على طالبان من أجل ضبط هذا التهديد، خصوصًا أن حكومة طالبان حين حكمت البلاد في تسعينات القرن الماضي كانت قد منعت زراعة الأفيون بصورة مطلقة تطبيقًا للشريعة الإسلامية.
أما الصين فتسعى إلى بناء علاقات مع تنظيم طالبان، وذلك من أجل ضمان ألا تتحوّل أفغانستان في ظلّ حكم الحركة الإسلامية إلى معقل لتنظيمات مسلّحة تُهدد أمن الصين، خصوصًا تلك المرتبطة بإقليم تشين جيانغ، كتنظيم «الحزب الإسلامي التركمانستاني» المرتبط بأقلية الإيغور المسلمة، والمضطهدة من طرف السلطات الصينية، وهو الإقليم الذي تقع ضمنه الحدود الأفغانية الصينية، وتسيطر حركة طالبان على الإقليم الحدودي داخل أفغانستان المسمى «ممرّ واخان».
الاهتمام الصيني الواسع بأفغانستان واستعدادها للعب دور أوسع داخل الساحة السياسية الأفغانية، خصوصًا مع انسحاب الأمريكيين، يصطدم مع خشية الصين في التورّط في المستنقع الأفغاني كما حدث مع الإدارة الأمريكية التي أنهت 20 سنة من الاحتلال العسكري كلّفت الولايات المتحدة حوالي تريليوني دولار أمريكي، لينتهي الأمر بإعلان الولايات المتحدة انسحابها دون القضاء على تنظيم طالبان، كما أن الأدبيات السياسية الصينية تتخوّف بشدة من الانخراط في «مقبرة الإمبراطوريات»، اللقب الذي يُطلق على أفغانستان بالنظر إلى الهزائم المتكرّرة التي حظيت بها جميع القوى الكبرى التي سعت للسيطرة على هذا البلد.
تنافس صيني روسي على «الكعكة الأفغانية»
ورغم وجود أطماع اقتصادية حقيقية في أفغانستان، والحديث الصيني عن انخراط أفغانستان في مشروع «طريق الحرير» الصيني، إلا أن الهاجس الأمني وغياب الاستقرار السياسي داخل أفغانستان جعل الصينيين يجمّدون المشاريع الاقتصادية بها، إذ إن كبرى المشاريع الصينية في أفغانستان بقيت مجمّدة، على غرار منجم النحاس في آيناك، الذي أعلنت الصين سنة 2007 استثمار 3 مليارات دولار لاستغلاله، بقي بدون استغلال بسبب الحالة الأمنية والسياسية غير المستقرّة.
وتتخوّف الصين من تكرار سيناريو الهجمات على المواطنين الصينيين كما يحدث في باكستان التي تعرف اعتداءات ضد العمّال الصينيين من طرف جماعات مسلّحة مثل «جيش تحرير بلوشستان». لكن أفغانستان ما زالت تمثّل بالنسبة للصين فرصًا اقتصادية وتجارية ضخمة، بالنظر إلى أنها غنيّة بالمعادن والثروات الطبيعية، في ظل وجود حدود مباشرة بين البلدين.
الرغبة الصينية والروسية في ملأ الفراغ الذي سيتركه الخروج الأمريكي من أفغانستان، لا يُلغي التنافس بين هذين القطبين العالميين، سواء من الناحية الاقتصادية، أو الجيوستراتيجية.
فرغم أن كلًا من الصين وروسيا يشتركان في السعي نحو استقرار أفغانستان، تحت سيطرة واضحة من أجل ضمان تحييد التهديدات الأمنية، المتمثّلة في الحركات المسلّحة التي قد تنتقل عبر الحدود إلى الصين أو عبر آسيا الوسطى تجاه روسيا؛ فإن هذا لا ينفي التنافس الاقتصادي على الكعكة الأفغانية، وأطماع الطرفين في الاستفادة من الثروات الطبيعية في أفغانستان.
فعين الصين تقع دائمًا على مناجم النحاس، بالإضافة إلى مخططها بعيد المدى لإدماج أفغانستان في طريق الحرير (مصدر)، أما روسيا فتقع عينها على مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى مجال الطاقة؛ لكن كل هذه الطموحات مرتبطة بتطوّرات الوضع في الداخل الأفغاني، وباستعداد حركة طالبان للتعاون إلى هذا المدى مع هذه الأطراف الدولية.
يتسابق الروس والصينيون في الميدان الاقتصادي، لكنها يتسقان بكثافة في الميدان الأمني لمكافحة ما يرونه «الإرهاب» مع مراقبة دقيقة لتطوّر الأوضاع في أفغانستان، خشية انتقال العنف إلى دول وسط آسيا، وقد شارك 10 آلاف جندي من الجيشين الصيني والروسي في تدريبات مشتركة في الصين خلال شهر أغسطس (آب)، وذلك باستخدام الذخيرة الحية وسلاح الطيران والمدفعيات، كما من المتوقّع إجراء تدريبات مشتركة إضافية في سبتمبر (أيلول) المقبل، مع لقاءات على مستوى المسؤولين العسكريين والأمنيين للتنسيق المتواصل.