النظام الغذائي الجديد يتطلب خفض استهلاك اللحوم الحمراء والسكر إلى النصف، ومضاعفة الخضراوات والفاكهة والبقول والمكسرات/ Istock
نظام غذائي جديد اسمه «الحمية الصحية الكوكبية»، ليس مخصصاً للكائنات الفضائية، إنما للبشر فينتفعون من فوائده وينقذون الكوكب.
النظام الأول من نوعه يعتمد العلمَ في تحليل الحِمية السيئة التي يتناولها مليارات البشر، وكيف تكبّد البيئةَ والمناخَ خسائر باهظة تهدد الأجيال القادمة وتلوّح بشبح الحرب.
كل ما في الأمر هو اقتطاع كميات كبيرة من اللحم الأحمر المستهلك بالدول الغربية، إلى جانب تغييرات جذرية في البقع الأخرى من العالم، فقط لا غير!
مَن أنشأ الحمية الصحية الكوكبية .. ولماذا؟
تم إنشاء «الحمية الصحية الكوكبية» من قِبل لجنة دولية تسعى إلى وضع مبادئ توجيهية توفر الغذاء المغذي لعدد السكان المتنامي بكثرة.
اسم اللجنة EAT-Lancet Commission، علماً أنها بدأت تقريرها بالتحذير التالي: «الأطفال الآن سوف يرثون الأرض وهي متدهورة بشكل بالغ وسكانها يعانون سوء التغذية وأمراضاً من الممكن تجنُّبها».
وتعرّف اللجنة نفسها بأنها شركة ناشئة عالمية غير ربحية، مكرسة لتحويل نظامنا الغذائي العالمي من خلال «العلوم السليمة والشراكات الجديدة».
تقرير لجنة EAT-Lancet Commission عن الحمية الصحية الكوكبية/ موقع اللجنة الرسمي
وخلصت إلى أن النظام الغذائي الجديد يتطلب خفض استهلاك اللحوم الحمراء والسكر إلى النصف، في حين تجب مضاعفة الخضراوات والفاكهة والبقول والمكسرات.
لكن في أماكن محددة تكون التغييرات صارخة، إذ يحتاج سكان أمريكا الشمالية أكل لحوم حمراء أقل بنسبة 84%، مع زيادة الحبوب كالفاصوليا والعدس بـ6 مرات.
بالنسبة إلى الأوروبيين، فإن تناول نسبة 77% من اللحوم الحمراء و15 مرةً أكثر من المكسرات والبذور يتوافق مع الإرشادات.
وماذا عن العرب؟
تصف اللجنة الحِمية المقترحة بأنها أقرب ما تكون إلى حمية شعوب البحر المتوسط، مع زيادة أكبر في الحبوب والبقوليات وكميات أقل من السمك.
11 مليون شخص قد ينجون من الموت المبكر سنوياً
وقال الباحثون إن العالم إذا اتبع نظام «الصحة الكوكبية» الغذائي، فإن ذلك قد ينقذ أكثر من 11 مليون شخص من الموت المبكر كل عام، بالإضافة إلى أنه سيسهم في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وسيحمي مزيداً من الأراضي والمياه والتنوع البيولوجي.
وقال تيم لانج، الأستاذ بجامعة لندن البريطانية، والذي شارك في الإشراف على البحث: «الطعام الذي نتناوله والكيفية التي ننتجه بها يحددان صحة الناس والكوكب، ونحن حالياً نتعامل مع ذلك بشكل خاطئ على نحو خطير».
وأضاف أن إطعام عدد سكان متزايد يقدَّر بنحو 10 مليارات شخص بحلول عام 2015، وفقاً لنظام حِمية صحي ومستدام، سيكون مستحيلاً من دون تغيير العادات الغذائية، وتحسين إنتاج الغذاء، وتقليل إهداره.
والنظام الغذائي الكوكبي المقترح هو نتاج مشروع استغرق 3 سنوات، بتكليف من دورية «لانسيت» الصحية، وشارك فيه 37 متخصصاً من 16 دولة.
800 مليون جائع مقابل مليارين يعانون السمنة
وقال وولتر ويليت، من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة: «أكثر من 800 مليون شخص لا يتناولون غذاء كافياً، في حين يستهلك كثيرون نظاماً غذائياً غير صحي يسهم في الوفاة المبكرة والمرض».
وأضاف: «إذا لم نتمكن من تحقيق ذلك، فمن الأفضل أن نحاول الاقتراب منه قدر الإمكان».
وبحلول عام 2050، يتوقع العلماء أن يصبح عدد سكان الأرض 10 مليارات نسمة. يتمحور الهم الأكبر حول تأمين الغذاء المستدام والصحي لهذا العدد الهائل.
يفترض تقرير Eat-Lancet أن نظام الغذاء العالمي مختلٌّ. ومن الأرقام المذكورة وحدها يظهر الخلل جلياً: فهناك أكثر من ملياري شخص يعانون سوء التغذية، ونحو مليار يعانون الجوع، في حين أن 2.1 مليار بالغ يعانون زيادة الوزن أو السمنة.
وتشير الدراسة إلى أن «النظم الغذائية غير الصحية» هي «أكبر عبء عالمي للمرض»، وتشكل خطراً أكبر من «الجنس غير الآمن والكحول والمخدرات وتعاطي التبغ معاً».
فكيف تقترح اللجنة الدولية إنقاذ الكوكب؟
حددت نظاماً غذائياً يومياً يفوز فيه جميع الأطراف؛ فهو جيد للصحة وجيد للبيئة.
يعتمد النظام بشكل كبير على حِمية البحر المتوسط، ولكن بمخصصات أقل من البيض واللحوم والأسماك، وتقريباً انعدام السكر.
مقارنة بين السعرات الحرارية لمختلف المصادر كما حددتها اللجنة/ موقع اللجنة الرسمي
ومن المتوقع أن تشكل منتجات الألبان، بالنسبة للسكان الغربيين على أية حال، نقطة شائكة، لأن النظام الغذائي المقترح لا يشمل الكثير منها.
يعمل النظام الغذائي على أساس 2500 كيلوكالوري (سعرة حرارية) يومياً، وهو ما يقابل، حسب التقرير، متوسط احتياجات الطاقة لرجل يبلغ وزنه 70 كيلوغراماً، وامرأة وزنها 60 كيلوغراماً، وكلاهما في سن الثلاثين، مع مستويات متوسطة إلى مرتفعة من النشاط البدني.
كيف يبدو شكل هذه الحِمية مترجماً في أطباق؟
اخترنا ما اقترحته صحيفة The Guardian للأيام الثلاثة الأولى:
الإثنين:
الإفطار: عصيدة من الشوفان مصنوعة من المياه وليس الحليب، مع ملعقة عسل عليها بعض المكسرات أو الحبوب + حصة واحدة من فاكهة.
كوب من الشاي أو القهوة مع حليب.
الغذاء: سلطة الشمر مع أفوكادو وسبانخ وبروكلي مع جبنة الفيتا والخردل وزيت نباتي. إلى جانبها شريحة واحدة من الخبز الأسمر، بالإضافة إلى كوب من اللبن الرائب مع حفنة من التوت.
العشاء: ملفوف مشوي مع أرز بالعدس.
أما الوجبات الخفيفة: كعك الأرز بلا سر وملعقة من زبدة الفستق.
الثلاثاء:
الإفطار: بيضتان وقطعتا توست من الحبوب الكاملة وبعض الزبدة. كوب من الشاي أو القهوة مع بعض الحليب.
الغذاء: الشعير أو غيره من حبوب الحبوب الكاملة، مع السمك المدخن والبذور (عباد الشمس وبذور اليقطين وبذور الشيا)، والفجل والكرفس والحمص والأعشاب والزيت وعصير الليمون.
قطعة واحدة من الفاكهة.
العشاء: قطعة بطاطا حلوة محمرة بالفرن مع بعض الصلصة والأفوكادو والفول الأسود والجبن المبروش.
وجبات خفيفة: كوب صغير من الحمص المشوي.
الأربعاء:
الإفطار: قطعتا توست من الحبوب الكاملة، وحبّة موز مع بعض العسل، إلى جانب كوب من القهوة أو الشاي بالحليب.
الغذاء: نودلز حارة مع التوفو والفجل والأوراق الخضراء وبيضة مشوية، يضاف إليها كوب من اللبن الرائب.
العشاء: خضراوات مطهية بالبخار (بروكلي وجزر وغيرها) مع بعض اللبن الرائب وزيت الزيتون، وبعض الخضراوات الجذرية وبعض الحبوب المهروسة.
وجبات خفيفة: حبوب متبّلة وبعض العيان المقرمشة المصنوعة من الفلفل المحمص.
يعترف التقرير في نهايته بالتغيير الجذري الذي يطالب به وصعوبة تحقيقه، ويذكر أن «البشرية لم تهدف قَط إلى تغيير نظام الغذاء العالمي على النطاق المتوخَّى. سيتطلب تحقيق هذا الهدف اعتماد كثير من التغييرات بشكل سريع، وتعاون والتزام عالميَّين لم يسبق لهما مثيل: ليس أقل من تحوُّل غذائي عظيم»